أياً كانت القراءات للتطورات الأخيرة التي شهدها لبنان منذ إعلان الرئيس سعد الحريري إستقالته، وهو في المملكة العربية السعودية، وما تلاها بعد إنتقاله من الرياض الى فرنسا ومن ثم عودته الى بيروت، وتجاوبه مع دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بـ «التريث»، فإن ما حصل لا يمكن إلاّ أن يكون محطة يجدر التوقف عندها وقراءتها، أسباباً ودوافع ومعطيات ونتائج، وذلك على الرغم من التطورات الموصوفة بـ«الإيجابية» التي رافقت وأعقبت المشاورات الرئاسية وما أفرزته من معطيات تسووية جديدة، ينتظرها اللبنانيون خلال هذا الأسبوع، لتكون مادة «تأسيسية» للآتي من الأيام، خصوصاً لجهة العناوين المطروحة من قبل الرئيس الحريري، سواء ما يتعلق بـ«إتفاق الطائف» أو بعلاقات لبنان بالدول العربية (وعلى وجه الخصوص الخليجية منها، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية) وبـ«النأي بالنفس»، الذي، في نظر عديدين سيشكل مرتكزاً للعمل الحكومي في مرحلة ما بعد العودة الرسمية، والنهائية، عن الإستقالة، والتي إستحوذت على إهتمامات الأفرقاء السياسيين الأساسيين، وفي مقدمهم الرئيس ميشل عون والرئيس نبيه بري، والرئيس سعد الحريري، و «حزب اللّه» ، الذي بات في صلب الحدث الإقليمي والمتابعات الدولية، وعلى وجه التحديد الأميركية منها…
ومن دون الخوض في التفاصيل، حيث «تسكن الشياطين» فالذي يبدو ان التفاعلات مع ما تسرب من معلومات عما سيصدر عن جلسة مجلس الوزراء، المقررة في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم غد الثلاثاء، برئاسة الرئيس عون، وحضور الرئيس الحريري وسائر الوزراء، تتصف بإيجابية لافتة، ويتساوى في ذلك الأفرقاء كافة، خصوصاً من أولئك الذين كانت تدور حولهم شبهة العرقلة «لأغراض في نفس اليعاقبة»؟!.
الواضح حتى اليوم، إن البيان الذي سيصدر عن جلسة مجلس الوزراء اليوم، سيتسم بانفتاح لافت، والتزام واضح وبيّن بمصلحة لبنان واللبنانيين، مشدداً على الثوابت الوطنية، محدداً الأصدقاء والأعداء، من دون أن يشكل ذلك إنتصاراً لفريق على آخر أو تراجعاً لفريق لحساب آخر… حيث المساحة المشتركة باتت – في نصر عديدين – أوسع كثيراً مما كانت عليه، وتتسع لكافة الأفرقاء، على تنوع واختلاف قناعاتهم ومرجعياتهم، بالنظر للظروف الضاغطة إقليمياً ودولياً…
صحيح إن الطائفية السياسية والمذهبية، حوّلت لبنان من وطن جامع – مانع يوحد اللبنانيين ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات، الى ما يشبه «قالب الحلوى» تتقاسمه سكاكين الطوائفين والمذهبيين، مالا يمكن تجاهله، هو ان الجميع خطورة التعاطي بخفة مع ما يدور في المنطقة، التي تحولت الى مساحات «حروب الأخرين» على أرضنا، المستفيد الأساس منها هو الكيان الإسرائيلي، الذي يتمادى في تحدياته واعتداءاته…
يتفق عديدون على ان الأجوبة في البيان الذي سيصدر عن الجلسة الحكومية اليوم، ستكون صارمة، واضحة، ومتفق عليها… وإن الصياغة ليست خاضعة لأي التباس أو إجتهاد ما قد يضيع «الجهد الجدي» الذي جرى ويجري بين الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري…
مع الإشارة الى أن عبارة «النأي بالنفس» ليست هي المشكلة مادامت الأمور لا تمس الجوهر باستحالة أن ينأي لبنان بنفسه عن الإعتداءات الإسرائيلية… ما يعطي لـ «سلاح حزب اللّه» مشروعية المقاومة، الأمر الذي يؤكد ما توصل اليه رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أكد «ان حزب اللّه جدي في ما يتصل بتطبيقه النأي بالنفس، وتجديد الرئيس عون تأكيده، «ان الأزمة التي نشأت بعد إعلان الرئيس الحريري استقالته طويت، وهي في طريق المعالجة النهائية…»، والتسليم بما خلص إليه الرئيس بري لجهة «إن النأي بالنفس ممكن مع الدول العربية كافة إلا مع سوريا…».
في قناعة متابعين عن كثب للتطورات الحاصلة، «إن الغطاء الدولي لمشروع التسوية متوفر… كما هو متوفر لاستقرار لبنان، ويدفع باتجاه المخارج المطلوبة سواء بالنسبة الى التراجع عن الإستقالة، أو لجهة إيجاد «تخريجة» لـ«النأي بالنفس».
وقد تعزز ذلك بالموقف الأخير للرئيس سعد الحريري في المقابلة التي أجرتها معه مجلة «باري ماتش» الفرنسية وخلاصته «ان اللبنانيين اختاروا الحوار من أجل مصلحة لبنان وإستقراره، لأن أحدا من اللبنانيين لا يريد أن يعيش حرباً اهلية من جديد…» لافتاً الى أن لـ «حزب اللّه» دوراً سياسياً. لديه اسلحة لكنه لا يستخدمها على الأراضي اللبنانية…» (منذ سنوات)… كما وإن في قناعة عديدين، ان «هناك فرصة جدية للإنطلاق نحو وطن (لا كونفدرالية طوائف ومذاهب)ودولة قوية، يقومان على الإعتدال والحوار والتعاون والتفاعل الإيجابي مع المحيط العربي، القريب والبعيد… خلافا لما يرى البعض أن لبنان محكوم بعدم الإستقرار ويعيش على المسكنات..؟!
«لبنان عربي الهوية والإنتماء» ومحاولة تسطيح ما يتهدده من مخاطر خارجية، لن تمر … وهو في وضع لا يحتمل الخوض في نقاشات بيزنطية حول مسألة «الحياد» وترابطها مع النأي بالنفس. مثيرة للريبة، من نوع اسبقية الدجاجة على البيضة أو البيضة على الدجاجة… وفي هذا يسجل للنأئب محمد قباني موقفه الأخير الذي ذكر فيه أن لبنان دولة عربية الإنتماء والهوية، وبالتالي لا يمكن أن يكون حيادياً في نزاع بين دولة عربية وأخرى غير عربية، ويأخذ هذا الأمر أهمية خاصة في النزاع العربي – الإسرائيلي، حيث الحياد مرفوض جملة وتفصيلاً… فاسرائيل عدو احتل أرض فلسطين ومازال يحتل أراض عربية أخرى مثل الجولان ومزارع شبعا اللبنانية…»، خصوصاً أكثر، إنه لا يكاد يمر يوم واحد من دون تسجيل عشرات الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، بحراً وبراً وجواً، ولسائر القرارات الدولية ومن بينها القرار 1701»، لاسيما وإن لبنان على أبواب بت مسألة الثروة النفطية والغاز في مياهه الوطنية المحاذية لفلسطين المحتلة؟!.