Site icon IMLebanon

الأونصة بالدولار “كاش” والصاغة يصرخون

 

دقّ الخطر عالبواب!

تبدأ المشكلة من مدخلِ تسعيرة غير واقعيّة ولا تنتهي عند بوابة إنهيار الليرة! وبين البداية واللانهاية يصرخ نقيب الصاغة والجوهرجية في لبنان أنطوان مغني من الألم: قتلتونا!

أن يكون للبنان مظلة إحتياطيّة من الذهب تبلغ 286,5 طناً بقيمة 16 مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة الأميركية، يُشبه وجود أموال رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور في المصارف اللبنانية. هناك أعطونا صكّاً بها وهنا أعطوه صكّاً بها. وبين هنا وهناك كلّ شيء في فم الذئب. يراقب أنطوان مغني، نقيب الصاغة والجوهرجيّة في لبنان، الحال متوّجاً اللقاء من البداية بعبارتين تستحقان أن يُعنون بهما واقع الصاغة والجوهرجيّة في لبنان هما: الله يستر… قطعتُ الأمل!

 

أمل أو ألم؟

 

نتذكر ونحن نُصغي الى النقيب مقولة قديمة متجددة: لا فرق بين الألم والأمل سوى أن اللام تقدمت في الأولى وتأخرت في الثانية! تُرى هل ستعود وتتأخر في وقت قريب؟ لا جواب بين الصاغة الذين ضيّعوا اللام!

 

فلنصغِ الى قطاع الصاغة والمجوهرات في لبنان العائم، كما سواه، على أزمة عارمة.

 

فلنبدأ من الآخر، من أسئلة يطرحها اللبنانيون كثيراً: هل يمكننا شراء ليرات الذهب والأونصات بشيك مصرفي؟ هل يمكننا الدفع ببطاقة فيزا؟ هل الذهب والألماس والمجوهرات ضمانة اليوم أكثر من الليرة اللبنانية السارحة في المجهول؟ هل تهريب المال، الذي جُمع بالعرق والجهد عبر قطاع الصاغة والمجوهرات، مجدٍ؟ قبل 47 عاماً تأسست النقابة وكان العمل “عال العال”. لم يكن هناك جوهرجيّ عاطلاً عن العمل. كنّا نُصدّر الى أوروبا، وصناعاتنا كانت تساوي الصناعة الأوروبية من حيث الجودة. وعدد الصاغة في لبنان يزيد عن 5000 واحد لكن النقابة لا تضم سوى 400 صائغ، يعني أقل من 10 في المئة. وثمة سببٌ لهذا هو أننا لا نقبل سوى مواصفات خاصة في المنتسبين. أما البقيّة فيندرجون في تجمعات تجار الذهب في المزرعة وفي طرابلس وفي البربير… الضمانة…

 

الذهب ضمانة. هكذا نعتبره فهل لا يزال؟ هل يستمرّ ضمانة الأيام المقبلة؟ يجيب أنطوان مغني: كانت المرأة، خصوصاً عند أخواننا المسلمين، تُحبذ شراء الذهب كضمانة لمستقبلها حتى ولو كانت تعرف أنها ستخسر من قيمته إذا قررت بيعه. ويستطرد: لا استثمار رابحاً مئة في المئة أبداً. ويستطرد: حتى ليرات الذهب ليست ضمانة كليّة شاملة، وتخسر من قيمتها، وذلك على عكس ما يعتبر الكثيرون ممن يحاولون شراء الليرات الذهبية أو الأونصات. الليرة الذهبية تخسر أقله 10 في المئة من قيمتها بين البيع والشراء. أما المجوهرات المشغولة فتخسر نحو 50 في المئة من سعرها. الألماس الخام يخسر بين 15 و20 في المئة من سعره أما المشغول في قطع حلي، حلق أو خاتم أو سوار، فيخسر نحو خمسين في المئة هو أيضاً.

 

لا يبيع الصاغة اليوم الليرة الذهبية أو الأونصة إلا “كاش”. لا يقبلون بالفيزا ولا بشيك مصرفي، لكن يمكن الشراء بالبطاقة المصرفية أو بشيك لشراء مصوغات مشغولة بأحجار كريمة او لؤلؤ. هذا شبه تعميم بين كلّ الصاغة في لبنان. فخذوا علماً أيها المواطنون الطامحون الى استبدال دولاراتكم في المصارف بذهب ولؤلؤ وألماس.

 

البارحة، من يومين، كان سعر غرام الذهب عيار 24 قيراطاً 50 دولاراً و82 سنتاً أي ما يُعادل في حساب الدولة اللبنانية 76 ألفاً و946 ليرة لبنانية. فهل يبيع الصاغة وفق هذه المعادلة الجدولية؟ يُفضّل الصاغة عدم البيع بالمطلق لأنهم إذا باعوا بهذا السعر، بالليرة اللبنانية، فسيشترون بدولارٍ خارجي يفوق هذا السعر بكثير. وهذا معناه أن سوق الذهب بات مجمداً بالنسبة الى التجار الصاغة والى الزبائن على حد سواء، ممن كانوا ينوون الهروب من الهلع الى الذهب. الإحتياطي في خطر؟

 

تملك الدولة اللبنانية 286,5 طناً من الذهب في الولايات المتحدة الأميركية. فهل نطمئن على ودائعنا التي يُفترض أن يُشكّل هذا الذهب ضمانة لها؟ يجيب نقيب الصاغة والجوهرجية: “الله يستر ما يبيعوا الدهبيات كمان”! ماذا يقصد بهذا؟ هل يخشى أن يبيعوها في ليلة لا قمر فيها؟ يجيب: كُلّ شيء ممكن إذا لم تحصل الدولة على مساعدات ويفترض بها تسديد سندات ويوروبوند.

 

فلننتبه إذا على الذهب اللبناني خشية أن يخرج من يُخبرنا ذات يوم قريب: إضطررنا الى البيع ويكون ما فات مات!

 

الحالة عاطلة. 20 في المئة من محال الصاغة في برج حمود تحولت الى محال لبيع الفلافل. ما عاد بقدرة أصحاب المحال على دفع الأيجار الشهري. ويستطرد مغني: في سوليدير اختربت بيوت أصحاب محال الصاغة والجوهرجيّة. هناك أكثر من أربعين محلاً أقفلت. التجار نزلوا الى سوليدير على أساس يأتي “العربان” وينشط “الشغل”. لكن لم يأتِ أحد واخترب البلد. وسوليدير خفّضت أجور المحال في الفترة الأخيرة خمسين في المئة لكن لا ضوء في النفق.

 

وسوء الحال بلغت مجمع “أ ب ث” حيث يطالب أصحاب محال الصاغة والجوهرجيّة بتخفيض أجور المحال خمسين في المئة أيضاً لأن “الشغل صفر”. ينظر مغني الى صورة والده بشارة مغني المعلقة وراء مكتبه ويقول: لا أعتقد أن حفيدي سيعمل ذات يوم في هذا القطاع. دمروا تجارتنا. دمروا الإرث المهني. ويستطرد: حاولنا تنظيم المهنة منذ أكثر من عشرة أعوام وتحويلها الى نقابة نظامية وقابلنا في هذا الإطار الأستاذ نبيه بري، دولة الرئيس، في بلدة المصيلح. أخذنا له درعاً باسم النقابة ووعدنا أن يساعدنا. مرّت الأعوام. راجعناه. فقال لنا أن هذا يحتاج أن يكون كلّ المنتسبين الى النقابة حائزين على شهادات. ويومها قلنا له من أين يأتي التجار الكبار، في السبعين وفي الثمانين، بشهادات. خرجنا ولم نعد.

 

فلّوا…

 

عشرون في المئة من تجار الذهب في برج حمود غادروا. عشرات في كلّ المناطق أقفلوا الأبواب وغادروا. فماذا فعلوا ببضاعتهم؟ يجيب النقيب: هناك من شحنوا البضاعة معهم حيث انتقلوا، الى أميركا أو أستراليا أو سواهما، وهناك من يعملون على تسييل الذهب وتخزينه أو بيعه كسبائك، وعندها يمكنهم أن ينالوا دولارات نقدية “كاش” في المقابل.

 

في كلّ حال، قد يهم الناس اليوم أن يعرفوا أن سعر الأونصة ارتفع عالمياً في ثلاثة أشهر نحو 20 في المئة. وهي تباع اليوم إذا وجدت بمبلغ 1570 دولاراً بعدما كانت منذ ثلاثة أشهر 1300 دولار. الليرة الذهبية ارتفع ثمنها أيضاً سواء الإنكليزية أو الوطنية. ومن المهم هنا أن يعرف الناس أيضاً أن الليرة الوطنية هي 21 قيراطاً لا 22 وهذا ممنوع عالمياً. إذا حاولتم بيعها في الخارج تتعرضون للسجن. وفي هذا الإطار يعلّق نقيب الصاغة والجوهرجيّة: نادراً ما يُقال هذا للزبون لأنه يتمنع حينها عن الشراء بل يُقال له: الإنكليزية ثمنها 400 دولار والوطنية 350 دولاراً. وحينها من الطبيعي أن يختار الوطنية معتبراً أن “الليرة ليرة”.

 

تصل الأحجار الكريمة من الخارج مع شهادات. ولا ضرائب على إستيراد الذهب الصافي وهو يصل غالباً من سويسرا، ويُصار الى تصنيع القطع في المصانع اللبنانية. ولا ضرائب أيضاً على الألماس الذي يصل الى لبنان “فلت”، مع شهادات من شركتين أميركية وبلجيكية تحدد الخصائص والمواصفات والنظافة والسماكة. شراء الألماس يكون كما شراء البيت مع صكّ رسمي. وهناك ألماس يباع بلا شهادة يرتكز بيعه أو شراؤه على الثقة. في كلِّ حال من المهم أن تعرفوا أن الألماس يصل الى لبنان من أفريقيا وروسيا، وهو لا يكون محفوفاً بل يُحك فيأخذ شكل الحجر. تقنية وأسعار ومصادر وأشكال قد تهمّ من يبحث من اللبنانيين في هذه اللحظة عن استثمار، غير الأموال المحجوزة في البنوك والعملة اللبنانية المفتوح مستقبلها على كلِّ الإحتمالات.

 

هل من عناصر للصمود؟ هل من مقومات صمود تجعلنا نرى نوراً في آخر النفق؟ يجيب نقيب الصاغة والجوهرجيّة بحدة: لا مستقبل ولا حياة. كنت أملك في الماضي مبنى يضم 124 محلاً ومكتباً في وسط بيروت، في سوق الصاغة قديماً، حيث يرقد الرئيس الراحل رفيق الحريري اليوم، إستملكت سوليدير مملوكاتي وأعطتني في المقابل تعويضاً بشكلِ أسهم بقيمة مليون دولار. ويوم أقيمت أسواق بيروت عُرض عليّ محل صغير جداً بسعر مليون دولار. أشكر الله أنني لم أستثمر هناك. لا “كونترول”!

 

نجول في صفحات الـ”سوشيل ميديا” فنلتقط إعلانات لبيع المجوهرات “أونلاين”. نثق؟ لا نثق؟ نشتري أو يجب ألا نجرؤ على الشراء؟ تجار الصاغة في لبنان، أصحاب الأسماء الكبيرة، يجزمون بوجود من يغش في البيع تحت عين الشمس، فكيف بالإتجار عبر الشبكات الإلكترونية؟ هناك من يبيع 95 غراماً بدل 100 غرام! لا “كونترول” (مراقبة) اليوم في حين كان يفترض بكلِّ صائغ، أيام زمان، أن يمرر قطع الذهب والمجوهرات عبر دائرة المصوغات، وكان مقرّها في منطقة المقدسي.

 

فلنأخذ نفساً عميقاً بعيداً قليلاً عن قطاع الصاغة والمجوهرات، ولنسأل نقيب هذا القطاع عن خزنات المنازل التي زاد بيعها وهو أحد تجارها البارزين؟ يجيب: كنا نستورد الخزنات الثقيلة للبنوك. طنّ أو إثنان.

 

جهزنا بنك بيبلوس في العراق بفروعه الخمسة بخزنات. وهذا ما فعلناه مع فرنسبنك واللبناني الفرنسي وغيرها. لكن، ليس هناك من تقشف في الذهب والمجوهرات، تتقشف البنوك في تجهيز الخزنات الجديدة. ويستطرد: هناك بنوك تقفل فروعاً لها وتستعين بخزنات لديها في فروعها الأخرى أو تضعها في المستودعات. الآن نبيع البيوت. وهناك أمرٌ يجب أن يعرفه كلّ الناس، وهو أن المصارف إذا نُهبت أو حُرق ما فيها من أموال فالبنك ليس مسؤولاً وهذا قانون عالميّ. وحده الزبون، صاحب العلاقة، يتحمل كلّ الخسارة. ويستطرد مغني: أيام الحرب تعرّض البنك البريطاني في باب إدريس في الداون تاون وبنك دي روما والبنك العربي الى خراب. وسُرقت. و”راحت أموال الناس”. وهو أمرٌ قلّة ينتبهون إليه.

 

هي صرخة تجار الذهب والمجوهرات في لبنان مطليّة بأطنانٍ من الوجع، وجع هؤلاء ووجع اللبنانيين ووجع من آمنوا بأن لبنان سيقوم من الموت أقوى. فهل سيفعل لبنان هذا؟ هل هناك من لا يزال، على الرغم من كلّ الوجع، يؤمن بذلك؟ يبتسم النقيب وهو يستعيد قول وزير المال غازي وزني، الذي هو خبير إقتصادي في الأصل: الدولار لن يعود كما كان! فإذا كان معاليه قال ما قال فلماذا على تجار الذهب، وشقيق غازي وزني ويدعى طلال، أحدهم وعضو في صفوف النقابة، أن يبيعوا بدولار يعادل 1500 ليرة ويشتروا بدولارٍ يفوق الألفين؟

 

دقّ الخطر أبواب الصاغة والجوهرجيّة في لبنان وهم يعنونون اللقاء: فقدنا الأمل!