سنترك الطبقة السياسية في لبنان تدوخ في زوغانها وتدافشها حول قانون الانتخاب، ونتوجه الى مسألة لا تقلّ أهمية من حيث ارتباطها بالمصير اللبناني، عنينا بها مسألة النازحين السوريين والتي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في مقدمة اهتمامات عهده على ما يبدو. وما أعلن عنه في واشنطن وجد صداه الفوري على المقلب الآخر، في موسكو! وما كان أعلن عنه في العاصمة الأميركية هو ان الرئيس ترامب كلّف وزارتي الخارجية والدفاع إعداد خطة لاقامة مناطق آمنة يعود اليها النازحون السوريون، أو يتم توطينهم في دولة ثالثة! والمهلة التي أعطاها ترامب للوزارتين هي تسعون يوما…
ردّ الفعل الفوري صدر في موسكو باسم الكرملين، بوصفه المعني الأول بالوضع السوري، متنصلا سلفا من التطورات التي قد تطرأ وبالقول ان ادارة ترامب لم تتشاور مع روسيا في هذا الشأن. والواقع ان ادارة ترامب ليس لديها ما تتشاور بشأنه، لا مع روسيا ولا مع غيرها، حول خطة لا تزال طيّ الغيب. واذا كان مبدأ التشاور واردا لدى ترامب، فانه لن يحدث إلاّ بعد مضي وقت على اعداد الخطة لدرسها، ويلي اعدادها خلال مهلة الشهور الثلاثة! والاشارات الأولى الصادرة عن العهد الجديد في الولايات المتحدة تشير الى ان ترامب ليس من النوع المغرم بالتشاور مع الآخرين، بدليل اقراره اقامة الجدار الخرافي مع المكسيك دون التشاور مع المكسيك ولا مع غيرها!
رغم ذلك، فان ادارة ترامب تحتاج الى ارشاد وتوجيه في شأن الملفات التي تتنطّح لها، وقد يجهل خبراء أميركا وجهابذتهم، بعضا أو كثيرا من خفاياها وخباياها. وهنا مهمة عاجلة لوزارة الخارجية اللبنانية ووزيرها جبران باسيل، لاعداد ملف موثق حول الرؤية اللبنانية بشأن العودة الآمنة للنازحين السوريين الى وطنهم. وأن يتم تقديم هذه الرؤية الى الادارة الأميركية الجديدة رسميا باسم الحكومة اللبنانية… واذا لم يكن لدى هذه الادارة الجديدة نيّات مبيتة ومسبقة وخبيثة حول مصير النازحين السوريين وسوريا نفسها، فان الرؤية اللبنانية قد يكون لها الأثر المفيد على طاولة وزارتي الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة، لاعداد الخطة الموعودة.
كلمة أخيرة… اذا كان الرئيس ترامب يريد حلا حقيقيا ونهائيا لأزمة النازحين السوريين، واذا كان يرغب في أن يكون منسجما مع نفسه، واذا كان يود أن يسلك الحل الطريق السريع، فالدليل الى ذلك هو التوجه مباشرة الى صلب المشكلة، وحلّ النزاع السوري من أساسه بما يعيد السلام الى سوريا الموحّدة… وعندها تتبخّر مشكلة النازحين السوريين، في كل أنحاء العالم وليس في الجوار فقط، من أساسها!