بعد إسدال الستارة على عام 2017 ، من المتوقع أن يكون الاقتصاد العالمي قد سجّل نمواً بنسبة ١,٣٦٪. هذه النسبة الجيدة أتت جراء عدة عوامل أهمها تحسن أسعار النفط وإرتفاع نمو الاقتصاد الصيني بالاضافة إلى سياسات التيسير الكمي والنقدي في أوروبا واليابان. والسؤال كيف سيكون الوضع في 2018؟
يختلف الخبراء الاقتصاديون في تحليلاتهم في ما يخصّ وضع العام ٢٠١٨ المالي والاقتصادي. البعض يصر على جو تفاؤلي رافق العام 2017 حيث فاق الانتعاش الاقتصادي التوقعات على صعيد الأسهم الأميركية والأوروبية التي سجلت إرتفاعاً سنوياً يفوق ١٠%.
كما أن المصارف المركزية ما زالت تحرص على إعتماد سياسات نقدية غير محبطة للاستثمار، الأمر الذي سيبقي على نسبة سيولة مقبولة خصوصا أن رفع سعر الفائدة، إن كان أميركياً أو اوروبياً، سيكون مدروساً وتدريجياً بما يناسب معدل النمو والتضخم.
لكن البعض الأخر يحذّر من تباطؤ الاقتصاد الصيني الذي قد يتأثر بالديون المتعلقة بالفقاعات العامة. بالاضافة إلى الخوف من تصحيح قد يحصل في الأسواق العالمية.
الوضع في أميركا
من المرجح أن يتجه الإقتصاد الأميركي في العام ٢٠١٨ نحو تعزيز الاجور ونسبة التضخم. الأمر الذي سيؤدي على الأرجح الى زيادة أسعار الفائدة أربع مرات في العام المقبل. كما أن توقعات النمو الأميركي ارتفعت من ٢.٤ ٪ إلى ٢.٥ ٪. أما بالنسبة إلى البطالة فمن المتوقع أن تصل إلى نسبة لا تقلّ عن ٣.٧ ٪ . وبحسب «غولدمن ساكس «، فان نسبة التضخم سترتفع لتصل إلى حوالي ١٬٩ ٪ في عام ٢٠١٨ وهي نسبة جيدة جداً.
جدير بالذكر أن المحفزات التي أقر بها الكونغرس الأميركي في ما يخصّ الاصلاح الضريبي سوف تدخل حيز التنفيذ في الربع الأول من ٢٠١٨. أما جوهر هذه الاصلاحات فيتمثل في خفض ضريبة الشركات من ٣٥ ٪ إلى ٢١ ٪. هذه التحفيزات من شأنها توفير دفعة لنمو الناتج المحلي نحو 0.3 ٪ على صعيد الدولار الأميركي، أدّى ضعف هذه العملة في ٢٠١٧ إلى تحقيق مكاسب في الصادرات. ومع توقعات المصرف الإحتياطي الفدرالي إعتماد سياسة التشدد ورفع سعر الفائدة، يبدو أن قيمة الدولار مرجّحة للارتفاع.
الصين:
من المتوقع ان تأخذ عملة «اليوان « الصينية حيزاً مهماً من نسبة الإحتياطات النقدية العالمية في العام المقبل وتوازي أهمية اليورو والدولار، أو على الأقل، تصنف في المراكز الأربعة الأولى في المدفوعات العالمية. هذا التحسن على صعيد اليوان يقابله إنفتاح للاسواق الصينية على الشركات العالمية الكبرى. مما سيؤدي بطبيعة الحال الى إستخدامه من قبل هذه الشركات في معاملاتها اليومية.
على صعيد آخر، ورغم ابقاء البنك الدولي على توقعاته لنمو الناتج المحلي الاجمالي في الصين لعامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ بنسبة ٦.٤ ٪ و ٦.٥ ٪ إلا أن هذه التوقعات تبقى نتيجة سياسة نقدية أقل تيسيراً لكبح جماح الإئتمان وفرض قيود على القروض من أجل الحد من مخاطر التسليف. هذه السياسة ستكون على الأرجح على حساب نمو أبطأ للناتج المحلي، إلا أنها ستحسّن التوقعات والبيانات الاقتصادية للصين على المدى الطويل.
اليابان
سيبقى الوضع في اليابان دون تغيير جذري مع بقاء مستوى التضخم دون الـ 2% وهو هدف أساسي للمصرف المركزي الياباني على الرغم من تحسّن نمو الناتج القومي الياباني في ألسنة الحالية ليصل إلى 2.٥ ٪ .
ورغم تأكيد المصرف المركزي تحسّن الاقتصاد الياباني إلا أن هذا التحسّن لم يأت بعد بالنتيجة المرجوة لمعدلات التضخم في اليابان. هذا العامل سيؤثر على بقاء السياسة النقدية الحالية وهي التيسير النقدي وضخ الأموال لانعاش الاقتصاد، ومن المتوقع أن يظل العامل الأقوى تأثيراً على تداولات «الين « هو إتجاه المستثمرين في السوق نحو المخاطرة نظراً لكون « الين « عملة تمويل منخفضة التكلفة.
منطقة اليورو
لا يزال المصرف المركزي الأوروبي بقيادة « ماريو دراغي « يدرس بحذر البدء في رفع سعر الفائدة والتدخل لتقليص دور سياسة التيسير الكمي للعام ٢٠١٨.
ورغم تحسّن البيانات الاقتصادية الأوروبية خصوصاً مؤشرات ثقة المستهلك ومؤشرات الاستثمار، وبالرغم من إرتفاع نسبة التضخم إلى 1.5 ٪، إلا أن هذا المؤشر لا يزال غير كافٍ بالنسبة للاوروبيين. ولذلك فإن إرتفاع سعر اليورو سيكون بطريقة تدريجية، حذرة ومرهونا بتطورات البيانات المالية.
على صعيد بريطانيا، يرتبط الجنيه الإسترليني بطريقة مباشرة في الوقت الحالي بالتغيرات السياسية خصوصا في ما يتعلق بأزمة إنفصال بريطانيا عن منطقة اليورو. هذه الحساسية بارتباط العملة البريطانية بالوضع السياسي كانت واضحة من خلال التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول التوقعات لاقتصاد بريطانيا.
وقد أشار التقرير إلى توقّع نمو الناتج المحلي الاجمالي في ٢٠١٨ بنسبة 1.5٪ بعد أن كان 1.6٪ في ٢٠١٧.
وفي ظل نمو إقتصادي عالمي بشكلٍ كبير يبقى الاقتصاد البريطاني الخاسر الأكبر نتيجة عدم اليقين حول تبعات الـ»بريكسيت»، الأمر الذي تسبّب بضغط على الأجور، تأجيل الاستثمارات والتأثير السلبي على مستوى التضخم.
بشكلٍ عام، علينا ان نستقبل عام ٢٠١٨ بكثير من الواقعية والحذر على الرغم من التفاؤل العام على مستوى الاقتصاد العالمي. خصوصا في ظل التخبّط السياسي والمالي والتغيير الدائم في السياسات النقدية.
وفي زمن ترتفع وتنقلب فيه أسعار العملات الرقمية المشفرة على نحوٍ جنوني، ومراهنة الكثير على أسهم شركات تقنية ناشئة بشكلٍ مبالغ فيه بما يجعل هذا العام ٢٠١٨ معرضا لتحديات ومخاطر قد تؤدي إلى نتائج سلبية إذا لم يتم التعامل معها بحذر وعقلانية.