IMLebanon

عشائر الأنبار وهزيمة «داعش»

يتحدث الجنرال ديفيد بترايوس بخبرة العارف عن وضع العراق وعن تمدد «داعش». وبسبب هذه الخبرة ومعرفته بتعقيدات الوضع العراقي، فهو يرى أن مواجهة التنظيم الإرهابي لن تنجح فقط عن طريق استخدام القوة، بل لا بد أن ترافق ذلك خطوات سياسية باتجاه قيام علاقة جديدة بين الحكم في بغداد والسنّة في مناطق سيطرة «داعش»، وخصوصاً في محافظتي صلاح الدين والأنبار، كي يكونوا هم في موقع المواجهة الأساسية، وليكون ممكناً قطع الطريق على ادعاءات التنظيم انه يتحدث باسمهم ويدافع عن مصالحهم.

كلام مشابه قاله قبل فترة قصيرة الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة بعد زيارة قام بها إلى بغداد، قال: «عندما حلقت على متن مروحية فوق بغداد كان بالإمكان رؤية الكثير من الأعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية معروفة من دون رؤية العلم العراقي بينها إلا نادراً… إن جهود الحرب ضد الدولة الإسلامية محكوم عليها بالفشل إذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنّة في أن تكون حكومة لجميع العراقيين».

مثل هذا الكلام كرّره كثير من المحللين، في إطار فهم ومعالجة الحالة التي نشأت بفعل تمدد «داعش» في مساحات أوسع في كل من سورية والعراق. لكن أهميته على لسان بترايوس تعود أساساً إلى أن الرجل خبر بنفسه المواجهة مع الإرهاب في العراق عندما كان قائداً للقوات الأميركية هناك خلال الاحتلال، بين عامي 2006 و2008. ومنذ غيابه عن المسرح السياسي، بعد استقالته من إدارة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) عام 2012 بسبب فضيحة أخلاقية، لم ينقطع اهتمام بترايوس بالشأن العراقي، من خلال زياراته المتكررة لهذا البلد، ولقاءاته مع المسؤولين في العشائر، الذين سبق أن عمل معهم في إطار مسؤولياته هناك.

في حديثه الأخير المسهب إلى هيئة الإذاعة البريطانية، يعقد بترايوس مقارنة بين «قاعدة» الزرقاوي و «داعش» البغدادي. وعلى عكس ما يظن كثيرون، يقول إن «القاعدة» كانت أشد خطراً من «داعش»، لأن جذورها كانت أكثر عمقاً في العراق وعدد عناصرها العراقيين أكبر، فيما يضم «داعش» عدداً أكبر من المقاتلين العرب والأجانب، وصلاته مقطوعة بالتالي مع العشائر السنّية، ما يعني أن إمكان استقطابها ضد التنظيم سيكون مهمة أسهل بكثير من تلك التي واجهت القائد الأميركي السابق. ويوضح أن من الضروري أن تكون لدى سنّة العراق دوافع لدعم قيام العراق الجديد بدلاً من دعم من يقاتلون ضده.

وبعكس ما صرح به وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أخيراً بعد سقوط الرمادي، من أن ضباط الجيش العراقي وعناصره لا يملكون النية للقتال، يرد بترايوس بأن هذه القوات قاتلت دفاعاً عن العراق، وماتت أعداد كبيرة من أفرادها في سبيل ذلك، وأكثر بكثير مما خسر الأميركيون، لكنها تحتاج الى قيادة جيدة وإلى دعم سياسي ومعنوي، وإلى قناعتها بأن هناك من يحمي ظهرها عندما تذهب إلى الجبهة.

هل وصلت هذه النصائح إلى إدارة الرئيس أوباما وإلى المسؤولين عن متابعة الوضع العراقي؟ لا يتردد بترايوس في الإجابة بأنه نقل مواقفه هذه، النابعة من تجربته، إلى المسؤولين قبل أكثر من عام، ولكن لم يأخذ بها أحد. كما لا يخفي خلافه مع الإدارة الحالية بشأن تقييم الدور الإيراني في العراق وفي سائر دول المنطقة. فعلى عكس الإيجابيات التي يرى أوباما أنه يمكن الحصول عليها من خلال التقارب مع طهران، يخلص بترايوس إلى القول: ايران تحقق التقدم في المنطقة من خلال الفوضى، فهي تستفيد من الفوضى وفي الوقت ذاته تنشرها لتحقيق هيمنتها الإقليمية. ويضيف أن هناك أسباباً كثيرة تدعو إلى الحذر البالغ من تطوير العلاقات الأميركية مع إيران.

كلام خبير يعرف الوضع العراقي من كثب، كان يمكن أن تفيد تجربته في رسم سياسة أميركية أفضل، ليس في العراق وحده بل في مناطق أخرى أيضاً. لكن نصائحه لا تلقى إلا آذاناً صمّاء في واشنطن، كما يعترف بنفسه.