جرت العادة في السنوات الأخيرة على استنكار الرأي العام اللبناني استنكارا واسعاً لسقوط شهداء الجيش اللبناني في المواجهات ضد المنظمات الأصولية المسلحة ولا سيما اعتبارا من حرب مخيم نهر البارد عام 2007 مروراً بصورة خاصة بما بات يحدث مؤخّراً على الحدود اللبنانية السورية في البقاع.
لا أشك لحظةً كم هو هذا التعاطف حقيقي وواسع. لكنْ دعونا باختصار ومباشرة نَقُلْ بكل صراحة أنه لم يعد تعاطفا وتأييداً كافييْن لسبب رئيسي هو أن ما بات يتعرّض له الجيش اللبناني تجاوز مجرّد سقوط ضحايا إلى أن يصبح مجزرة عددية ونوعية حقيقية تصيب عناصره لا نعرف إلى أي حد لا زال باستطاعة جيشنا، وهو عنوان أمننا الوطني، أن يتحمّلها في ظل الشروط الراهنة للحياة السياسية اللبنانية.
لهذا بات المطلوب عملاً مختلفاً سياسيّاً وشعبيّا شرطه الرئيسي تغيير القوى السياسية اللبنانيّة الأساسيّة نمط تعاملها مع وضع الجيش بالانتقال من مجرّد التعاطف والكلام، معظمه الفارغ أو الخبيث، إلى خطوة سياسية كبيرة وغير مسبوقة.
فلماذا لا تدعو الحكومة اللبنانية حتى بغياب انتخاب رئيس للجمهوريّة، إلى مؤتمرٍ وطنيٍّ لدعم الجيش والبحث في خطة ووسائل التعامل مع الحالة القائمة، وهي حالة مجزرة متفاقمة بكل ما تعنيه الكلمة، وبحيث يتم في المؤتمر بحث الموضوع الأخطر وهو: هل يستطيع لبنان تحمّلَ استمرار انخراط الجيش في هذه الحرب المفروضة عليه في ظل الشروط الراهنة للعلاقات السياسية أو بكلام آخر في ظل الشروط غير الكافية للالتفاف السياسي حوله.
للمجتمع اللبناني تاريخ طويل ومعقّد من علاقته بالمؤسّسة العسكريّة لن ندخل فيها الآن. جميع الطائفيّات السياسية اصطدمت مع الجيش بأشكال منفردة ومختلفة وهو نفسه قاد الحياة السياسيّة في مرحلة تُعتبر بحق المرحلة الذهبيّة من التاريخ المؤسّساتي للدولة اللبنانية وهي المتعارَف على تسميتها “العهد الشهابي”. لكن لا شك تعتبر الفترة الحالية من زاوية الالتفاف الشعبي والحد المقبول من التضامن السياسي إحدى أفضل فترات علاقة معظم المجتمع اللبناني بالمؤسّسة العسكرية. هذا المجتمع ذو التاريخ الفئوي والمتذبذب حيال فكرة الدولة. ومع أنه يعيش اليوم، أي المجتمع، إحدى أسوأ مراحل انكفاءته على مناطق وبيئات لبنانية شبه مستقلة في محيط عربي متفجِّر وخطيرومفتوح بل وتابع لاستقطابات إقليمية ودولية خانقة.
الدعوة لمؤتمر وطني لدعم الجيش والتفكير في وضعه ومستقبل دوره كجزء أساسي من الصيغة اللبنانية المتجدّدة بات أمرا ملحا جدا. ولو كان لدينا رئيس جديد للجمهورية لكان هذا المؤتمر المنشود هو المهمّة الرئيسية الأولى لهذا الرئيس.
في ظل اللايقين السياسي المؤتمر الوطني لدعم الجيش والذي يجب أن تشارِك فيه كل أطياف المجتمع اللبناني السياسية والمدنية والدينية هو المؤتمر المطلوب ضد المجزرة التي يواصل الإرهابيون الأصوليّون ومن وراءهم استنزاف الجيش فيها.
الجيش يستحق مؤتمرا وطنيا وهو الذي يؤكّد دوره كجيش مقاتل دفاعاً عن الأمن الوطني الذي بات يعني وجودنا الوطني.