IMLebanon

.. وأي جدوى من رحلة أوباما المجانية؟

يفرغ المرء من قراءة مقال جيفري غولدبيرغ الذي نشرته «the atlantic» بعنوان «استراتيجية أوباما: الرئيس الأميركي يتحدث عن قراراته الصعبة حول دور أميركا في العالم»٬ بخلاصة مؤسفة لكنها يفترض بالضرورة أن تكون مفيدة لمستقبل المنطقة العربية٬ فعندما يقول أوباما بعد سبعة أعوام من عهده: «لا جدوى من الشرق الأوسط»٬ فيجب أن يدفع ذلك بالضرورة دول المنطقة إلى التساؤل عن جدوى التحالف مع أميركا في ظل إدارته المترددة؟

لكن السؤال الذيُ يطرح: هل «استراتيجية التنكر» التي طبقها أوباما ستحكم البيت الأبيض بعد خروجه٬ أم أنها ستتغير لتصبح أكثر إدراًكا بالشرق الأوسط وأهمية للعلاقة التي طالما ربطت بين أميركا وعدد من الدول الحليفة في هذه المنطقة٬ وخصوًصا في منطقة الخليج التي يسميها أوباما منطقة أصدقائنا لكنه يعاملها معاملة الخصوم!

قياًسا ببدايات أوباما الذي اختار الشرق الأوسط مدخلاً لتنفيذ شعار «التغيير» الذي حمله إلى البيت الأبيض٬ وقياًسا بنهايات أوباما عندما يقول لغولدبيرغ: «لا جدوى من الشرق الأوسط»٬ ليس كثيًرا أن نتذكر تلك الصورة المقززة…

يمكن للرؤساء أنُيفلِسوا في سياساتهم الخارجية٬ لكن ليس في وسعهم تسمية هذا الإفلاس استراتيجية٬ إلا إذا كان المقصود استراتيجية الفشل٬ ولا في وسعهم شطب الجدوى من منطقة كاملة٬ وخصوًصا الشرق الأوسط الذي طالما اعتبرته الإدارات الأميركية المتعاقبة حيوًيا للأمن القومي الأميركي٬ هكذا حرفًيا ويستطيع أوباما أن يقرأ هذا في مدونات البيت الأبيض.

والمسألة بالنسبة إلى دولة في حجم أميركا وأهميتها ليست مسألة نفط تتناقص الحاجة إليه٬ وخصوًصا بعد أوهام النفط الصخري الذي أشار إليه أوباما في خطاب حالة الاتحاد عام ٬2012 بل مسألة مصالح جيوسياسية مهمة تزداد حاجة أميركا إليها٬ وخصوًصا بعد الخلل الذي نتج عن استراتيجية التردد التي نفذها وأفضت إلى تفاقم المشكلات في الشرق الأوسط الذي يريد أن يهجره إلى منطقة الباسيفيك!

هل هناك من مكان في الشرق الأوسط لم يحصد فيه أوباما الفشل؟

في فلسطين المحتلة أذاقه بنيامين نتنياهو الفشل المتعاقب وأقام عليه حصاًرا حتى داخل الكونغرس٬ وعندما انفجرت الثورات العربية من تونس إلى ليبيا إلى مصر واليمن وسوريا تبّين أن إدارته تراهن على ما تسميه «الإسلام السياسي» أي أخونة المنطقة٬ اعتماًدا على تجربة محمد مرسي الذي خرجت ضده ثورة 30 مليون مصري٬ لكن آن باترسون سفيرة أوباما في القاهرة ظلّت تحّضه على حكم مصر من رابعة العدوية إلى اللحظة الأخيرة٬ وهو ما كاد يوقع مصر في حرب أهلية٬ ثم أولم يوقف أوباما الدعم والتسليح للجيش المصري بعد سقوط الإخوان؟

وماذا فعل في سوريا؟ أولم يدافع في لقائه مع «ذي أتلانتيك» عن سحب تهديداته للأسد بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية٬ رغم أن جيمس كلابر مدير استخباراته يقول إن واشنطن تعّرضت للخديعة من الأسد ورغم هذا يقول أوباما إنه اتخذ القرار السليم٬ أولم يكن مسؤولاً أخلاقًيا عبر تعاميه عن ذبح الشعب السوري وتدمير سوريا التي سلّمها بالتالي إلى بوتين ويسمي هذا استراتيجًيا؟

وماذا فعل في العراق؟ أولم يكن شريًكا لنوري المالكي في خلق «داعش» بعدما سلم العراق لإيران واستمر في التعامي عن قهر المناطق السنية٬ كما يتعامى الآن عن تجاوزات «الحشد الشعبي» الذي يعمق الأحقاد المذهبية ما يخدم «داعش» في النهاية؟ ثم ماذا فعل في اليمن أولم يسحب بعثته الدبلوماسية متعامًيا عن انقلاب الحوثيين على الشرعية بدفع من طهران؟

وماذا فعل في ليبيا التي ينطلق منها لتوجيه التوبيخ والاتهامات المهينة إلى حلفائه البريطانيين والفرنسيين٬ ناعًتا ديفيد كاميرون بالجبن والضياع ونيكولا ساركوزي  وماذا فعل في ليبيا التي ينطلق منها لتوجيه التوبيخ والاتهامات المهينة إلى حلفائه البريطانيين والفرنسيين٬ ناعًتا ديفيد كاميرون بالجبن والضياع ونيكولا ساركوزي بالكذب والادعاء٬ ثم يقرر زيارة لندن ليمسح هذه الإهانات؟

وماذا فعل في مواجهة العربدة الإيرانية المتفاقمة في المنطقة على وقع الشعارات التي تقول «الموت لأميركا»٬ حتى عندما أبرق يعّيد على الإيرانيين بالنوروز الموت لأميركا الشيطان الأكبر» وحتى عندما كان يفاوضهم من وراء ظهور حلفاء أميركا التقليديين في الخليج ويتهافت على مكالمة حسن روحاني «الموت لأميركا» وحتى بعدما وقع ما اعتبره الاتفاق النووي استمرت الهتافات الموت لأميركا؟

أهمية الشرق الأوسط ليست صناعة أميركية٬ ربما كانت معظم مآسيه أميركية٬ وإذا كانت الإدارة الأميركية ستعمل مستقبلاً بآلية ما٬ فالوجه الإيجابي المهم الضروري أن يبدأ الشرق الأوسط بالعمل على قاعدة أن لا جدوى من السياسة الأميركية٬ التي لم تَر فيه منذ سبعين عاًما إلا إسرائيل٬ والتي تتهافت منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض على الهرولة وراء إيران٬ رغم صراخ كثيرين من خبراء الإدارة الأميركية: لماذا نتخلى عن حلفاء تاريخيين موثوقين في دول الخليج لمصلحة خصوم غير موثوقين في طهران؟

لا يملك أوباما أي استراتيجية ربما لا يملك حتى ذاكرة٬ وخصوًصا عندما يدعو السعودية ودول الخليج إلى اعتبار إيران شريًكا في المنطقة٬ وهو الذي طالما دعا إلى مواجهة النشاطات التخريبية الإيرانية٬ ولا يملك أي احترام لمواقفه وإعلاناته كرئيس أقوى دولة عندما يصف إيران بأنها «راعية الإرهاب ويجب مواجهة نشاطاتها التخريبية»٬ ثم يسحب كل هذا ليدعو السعودية إلى مشاركة إيران في المنطقة٬ بعدما كان أشاد بدور السعودية في مكافحة الإرهاب ونجاحها الذي يحتذى في هذا الشأن!

من المقزز والمعيب قول أوباما إن حلفاء أميركا الخليجيين يريدون جّرها إلى صراعات طائفية طاحنة٬ لأن سياسة أميركا هي التي أشعلت وأججت هذه الصراعات٬ كان من المعيب أكثر قوله إن المنافسة بين السعودية وإيران ساعدت في إذكاء الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن٬ لأن إيران هي التي تعلن أنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية٬ ولأن تعامي أميركا المشبوه كي لا نقول شراكتها الضمنية مع إيران سمحت بالتدخلات الإيرانية هي التي خلقت الفوضى٬ عندما كانت السعودية عاكفة على إنشاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بمشاركة أميركا ثم التحالف الإسلامي لهذا الغرض.

لا لم يطلب السعوديون والخليجيون رحلة مجانية تتحمل أميركا أعباءها٬ ويعلم أوباما جيًدا أنهم شركاء مؤسسون للحرب الدولية على الإرهاب منذ ما قبل تفجير الُخبر والسفارة الأميركية في بيروت٬ وفي أي حال لا تقوم إدارة أوباما بأي رحلة فعلية لمحاربة الإرهاب الذي ولد من رحم سياستها!

في طريقه إلى الرياض الشهر المقبل لحضور اجتماع «مجلس التعاون الخليجي»٬ ولمسح الإساءات المجانية التي ساقها إلى حلفائه الخليجيين٬ عليه أن يعيد قراءة مقال الأمير تركي الفيصل الذي نشرته «الشرق الأوسط» بعنوان: لا يا سيد أوباما.