بعد أيّام قليلة على صدور القرار السعودي بوقف الهبتَين العسكريتَين للجيش والقوى الأمنية اللبنانية سارع بعض المراقبين إلى ربط هذا القرار بتوجُّه أميركي مماثل انطلاقاً من التزامن الذي شمل زيارة لوفد نيابي لبناني إلى واشنطن لبحث تداعيات القانون الأميركي الذي يستهدف «حزب الله» على المؤسّسات اللبنانية. وساد انطباع في الساحة الداخلية أنّ القرار السعودي من جهة والقانون الأميركي من جهة ثانية يصبَّان في نتيجة واحدة مفادها عودة الحظر الأميركي والعربي على لبنان الذي كان قائماً منذ الحرب الأهلية اللبنانية حتى منتصف التسعينيات.
لكن أعضاء الوفد النيابي إلى واشنطن عادوا بانطباع آخر بعد هذه الزيارة، مفاده أنّ ثمّة فارقاً كبيراً بين المقاربة الأميركية والمقاربة السعودية للوضع اللبناني، بحيث أكّد أكثر من مسؤول أميركي للوفد أنّ التزامن بين القانون الأميركي والقرار السعودي جاء من قبيل الصدفة لا أكثر ولا أقل، علاوة على أنّ القانون الأميركي له علاقة بأمرَين مختلفَين: الأوّل يؤشّر إلى أنّ الاتفاق النووي مع إيران لا يمنع الإدارة الأميركية من الاستمرار بسياسة الضغط على «حزب الله«، والثاني أنّ الاتفاق النووي شكَّل مادة خلافية داخل الحزب «الديموقراطي» نفسه وليس بين «الديموقراطيين» و»الجمهوريين» وحسب.
على أنّ الإدارة الأميركية ذهبت أبعد من ذلك في معرض التمييز بين الموقف من «حزب الله» والموقف من المؤسّسات اللبنانية الرسمية، إذ أوضح أحد المسؤولين الأميركيين أنّ وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتَين شرعتا بإجراء اتصالات مع المملكة العربية السعودية من أجل «إعادة النظر» في وقف الهبتَين العسكريتَين للجيش والقوى الأمنية اللبنانية؛ وكشف أنّ الإدارة الأميركية لم تكن «فعلاً» على علم مسبق بالقرار السعودي «بدليل أنّ وزير الخارجية جون كيري كان عرض مع نظيره السعودي الوزير عادل الجبير لأهمية الهبة السعودية للبنان قبل يومين فقط من موعد صدور القرار السعودي».
السؤال إذاً: لماذا ذهبت الرياض بعيداً في قرارها وقف الهبتَين العسكريتَين للبنان من دون تمييز بين المؤسّسات الرسمية وبين «حزب الله» كما فعلت الإدارة الأميركية ودول غربية أخرى؟
الإجابة بسيطة، يقول ديبلوماسي عربي معتمَد في لبنان، وهي أنّ الإدارة الأميركية سبق أن فرضت حظراً على لبنان بعد تهديد أمنها من قِبَل «حزب الله» (اختطاف طائرة «كي دبليو إي» في مطار بيروت في تموز 1985)، أمّا اليوم فإنّ هذه الإدارة، التي رفعت الحظر عن لبنان العام 1997 بنتيجة جهود حثيثة قام بها في ذلك الحين الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم تعد تواجه تهديداً أمنياً لمواطنيها من جانب الحزب، علاوة على أنّ ما بعد الاتفاق النووي مع إيران غير ما قبله.
أمّا الرياض، يضيف الديبلوماسي، فقد اتخذت قرارها الأخير إزاء لبنان بعد مجموعة تطوّرات منها سياسي، مثل موقف لبنان في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنها أمني أيضاً، حيث تزامن هذا القرار مع معطيات ومعلومات موثّقة (بالصوت والصورة) حصلت عليها السلطات السعودية (جرى بثّها تلفزيونياً بعد يوم واحد من صدور القرار السعودي) تكشف النقاب عن تدريبات ميدانية يجريها «حزب الله» لمجموعات من الحوثيين في اليمن لتنفيذ ما سُمِّي «عمليات استشهادية» في قلب الرياض.
وهذا تهديد أمني مباشر للمملكة العربية السعودية، يختم الديبلوماسي، يتجاوز أي تهديد سياسي أو إعلامي لخطورته وانعكاسه الاستراتيجي على الأمن القومي للمملكة، وهو الشعرة التي قصمت ظهر البعير والتي دفعت الرياض لاتخاذ القرار الذي اتخذته.