هذا المقال الثالث خلال ست سنوات لم يتغيّر فيها الكثير على اللبنانيّين خلال العواصف التي نهبّ على لبنان في مختلف أحواله، سواءً في العام 2013 أو العام 2018 أو العام 2019، تأتي العواصف وتأتي معها الوعود بمواسم الخيرات، وتأتي معها مشاهد طوفانات عارمة تغرق الشوارع ومجدداً بالإذن من الشاعر الراحل محمود درويش، ومن كلّ «المتذمرين» من الخير الذي تباركنا به السماء، والرحمة الإلهيّة، أهلاً بالعاصفة والثلوج والأمطار والرياح العاتية التي يرسلها تزجي السحاب بين يديْ رحمة الله، أهلاً بها سواء كانت لا تحمل اسماً كما اعتدنا طوال عمرنا وتعرّف بأنّها «منخفض جويّ»، وسواء حملت إسماً «نورما» أو «أليكسا» «أوسكار» أو «زُليْخة».
«بشرفكن».. أليْس منظر الرداء الأبيض» يأتينا نحن أبناء الساحل من جبالنا عبر الشاشات فتنشرح به صدور أجمل بكثير من وجوه السياسيّين «الكَشِرة»، و»ابتساماتهم المزمومة» وأشرح بكثير من وجوه «اللقاء التشاوري» العِكْشَة وهو مصدّق أكذوبة حزب الله بأّن لبنان سيبقى لا معلّق ولا مطلّق حتى يوم القيامة ما لم يتوزّر واحد منهم، أليست العاصفة أهش وأبشّ ببياضها الناصع من «سواد» قلب وكلمات حسن نصرالله الذي لا يكترث لانهيار البلد!!
«بشرفكن»، ألا تستغربون أنّه كلّما هبّت عواصف الشتاء البارد، وبرغم حزننا على اللاجئين السوريين ومصيرهم الحالك في خيم التشرد، يحاولون إثقال ضمائرنا تجاه أزمتهم، فيما هم أنفسهم يعلنون رفض عودتهم إلى وطنهم تحت عنوان العودة الآمنة، بدلاً من هذا التفجّع توجهوا إلى الأمم المتحدة والدول العربية وخاطبوا ضمائرهم ليتعاونوا على إعادتهم إلى سوريا، بدلاً من الخيم التي غمرتها الثلوج بالأمس، كأنّهم يتجاهلون كم مرّة نصبت الخيام لأهلِ الجنوب في بيروت وغرقوا في وحول الملعب البلدي في الطريق الجديدة منذ العام 1978، بسبب ما حمّلوا من أوزار القضية الفلسطينيّة، كم مرة كنا لاجئين في وطننا؟! وتحملنا رطوبة الملاجئ وتشرّد صقيع القرى وثلوجها؟!
أليْست فرحة الأولاد بعطلة مدرسيّة مفاجئة بسبب حال الطقس والثلوج أحلى من فرحتهم حتى بحلول مواعيد عطلة الأعياد، ومن المؤسف أنّ معالي وزير التربية مروان حمادة لم يأخذ قراراً واتخذه مستدركاً منتصف ظهيرة أمس ليعاني الأهالي الذين اضطروا أن يصطحبوا أطفالهم ظهراً من مدارسهم، كلّ ما في البلد مشلول ومعطّل، إنما تعريض سلامة التلامذة والأساتذة لهكذا طرقات غارقة بطوفانٍ «بهدلة» لم يرقّ لها قلب وزير التربية إلا بعد أن وقعت الواقعة على الطرقات الساحليّة؟!
بالإذن من كلّ هذه الهشاشة اللبنانيّة البغيضة، أليس حديث المساءات المثلجة والعاصفة أشرف مليونين مرّة من أحاديث استمرار تعطيل تشكيل الحكومة، أو التهديد بموقف ما حيال هذا التعطيل؟ هذا البلد مجنون كعاصفة، مجنون جدّاً بثلجه وطوفانه وتعطيه واستمراره على قيد الجياة بالرغم من محاولات القتل اليوميّة التي يتعرّض لها، لكلّ عاصفة مهما بلغت قساوتها بربيع آتٍ، لست كائناً ربيعياً، أعترف أنني كائن خريفيّ وشتويّ بامتياز، ومع هذا أستسلم دائماً لفكرة أنّه لا بدّ من مجيء الربيع، هذه وعود العاصفة للبنان، لقد عوّضت نورما كلّ الأمطار والخيرات التي حبستها عنها السماء العام الماضي، «دخيلكن ما تنقّوا»!
فلتأتِ العواصف، مهما كانت أسماؤها، ولتكنّس عن وجه لبنان كلّ خيبات السياسة ووحولها، لتأت ولتعيد وعودها علينا كما عرفناها في القصيدة والأغنية: «وليكن … لا بدَّ لي أن أرفض الموت، وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفة، وأعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة، فإذا كنت أُغني للفرحْ، خلف أجفان العيون الخائفة، فلأنَّ العاصفة، وعدتني بنبيذ.. وبأنخاب جديدة، وبأقواس قزح، ولأن العاصفة، كَنست صوت العصافير البليدة، والغصون المستعارة، عن جذوع الشجيرات الواقفة. وليكن.. لا بدَّ لي أن أتباهى بك، يا جرح المدينة، أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة، يعبس الشارع في وجهي، فتحميني من الظل ونظرات الضغينة، سأغنّي للفرح، خلف أجفان العيون الخائفة، منذ هبت، في بلادي، العاصفة، وعدتني بنبيذ، وبأنخاب جديدة، وبأقواس قزح»…