عندما يزور اللبناني أي بلد خارجي ينتابه شعور من الأسى على الحال التي وصلنا إليها في لبنان. فبعدما كنّا سيدها صرنا نطبّل في عرسها.
لقد نأت المسافة كثيراً بين ما كنّا وما أصبحنا. بين بلد كان زينة بلدان المنطقة فحوّلناه الى مزبلتها. بين وطن كانوا يحسدوننا عليه فصاروا يتحسّرون علينا وعليه.
ما إن تطأ رجلاك أي مطار، إن في أوروبا أو بلدان الخليج العربي، حتى تتبين الى أي مدى بتنا متخلّفين. فأنت لا تسمع زموراً في الشارع ولو أمضيت ساعات في السيارة، وأنت لا تشاهد متسولاً واحداً لأنه من مسؤولية السلطة التي تتحمل مسؤوليتها وتقوم بواجباتها كاملة إزاء الناس المحتاجين. وأنت ترى الأجانب (وأنت منهم) تحت رقابة حقيقية مشددة، من دون المس بحرياتهم الفردية والعامة.
وللبنان أصدقاء كثر حيثما حللت تجدهم من حولك ليرموا في وجهك السؤال الأثير، وتفرعاته:
أيها اللبنانيون ماذا فعلتم بوطنكم؟!
كيف حوّلتم الجنّة الى جحيم؟!
لماذا سمحتم للآخر أن يذهب بكم الى التهلكة؟
كيف يعجز عن إجراء الإنتخابات النيابية البلد الذي كان أول من خاض التجارب الإنتخابية؟!
كيف تتركون وطنكم جسماً برأس مقطوع كما يقول مرجع روحي كبير عندكم؟
ماذا حل بكم يا جماعة؟
أي لعنة نزلت بكم؟
أي ريح شيطانية عصفت بكم فبددت أريج عطر الطبيعة، لتجتاحكم روائح الكراهية والحقد… والنفايات القاتلة بسمومها وجراثيمها؟
وأنت تقرأ الصدق في عيون محدثيك، وتسمعه في تساؤلاتهم الصادرة عن حب حقيقي لهذا الوطن.
وأكثر ما يصفعك السؤال الصارخ: حتّام؟ الى متى ستظلون تائهين عن واقع تنقادون فيه الى هاوية لا قرار لها ولا إمكان قيامة منها؟!
وذرائعك كلها تسقط أمام حبهم الصادق لوطنك. وتسقط خصوصاً أمام عدم إقتناعك، أنت، بما تقول وتدّعي تبريراً لواقع لا يمكن تبريره.
ومع ذلك، فأنت تشاركهم في سرّك والعلانية بأن ثمة لعنة ما نصبت قبابها فوق وطنك وخيّمت فيها الى ما لا تُعرف نهاية له. فهل هي لعنة القيادات الهجينة؟ هل هي لعنة تسليم السلم الى صنّاع الحرب و»ابطالها«؟!
هل هي لعنة آلاف المفقودين الذين لا يُعرف ما إذا كانوا لايزالون على قيد الحياة، وأين، وبأي ثمن؟!. هل هي لعنة دماء مئات الآلاف الذين تبيّن، لاحقاً – بعد الحرب – ويتبيّن اليوم أنهم، سقطوا مجاناً، وأنّ دماءهم تستصرخ عدالة؟
وتصمت، تعض على جرحك، وتعود الى بيروت التي تعشق بالرغم من كل شيء.