IMLebanon

.. وتسقط أوهام «الإمارة» في لبنان

خرج يوم أمس، نحو 400 من مسلحي «سرايا أهل الشام» وعائلاتهم وتقريباً 100 شخص من النازحين السوريين، من جرود عرسال ضمن صفقة التبادل بين «حزب الله» و»السرايا» والتي كانت بدأت بخروج عناصر «جبهة النصرة» من مخيمي وادي حميد والملاهي في عرسال، باتجاه مدينة إدلب. وكان مُقرّراً أيضاً أمس، أن يخرج حوالي 3000 شخص كانوا سيتوجهون بآلياتهم، لكنهم عاودوا وقرّروا البقاء في مخيمات عرسال، بعد أن مُنعوا من الخروج إلا عبر الحافلات المُخصّصة لنقلهم. وقد نشر الاعلام الحربي صوراً للحافلات قبيل توجهها نحو بلدة فليطة السورية ومن ثم إلى بلدة الرحيبة في القلمون الشرقي. وكان على رأس المغادرين مسؤول «السرايا» عماد الديب الملقب بالعمدة.

على الطريق ذاته الذي انسحبت عبره «جبهة النصرة» الاسبوع الماضي من جرود عرسال، سارت الحافلات التي تقل عناصر «سرايا أهل الشام» أمس، باتجاه بلدة فليطة السورية، ومنها إلى بلدة الرحيبة في القلمون الشرقي في ريف دمشق. وفي المشهدين، ثمة عناوين تُقرأ بشكل واضح، منها أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها العسكرية والامنية وبالدعم السياسي الذي تلقاه، قادرة على تحقيق الإنجازات وتخطّي الصعوبات مهما بلغ حجمها، وأخرى تؤكد أن للجيش الفضل الأوّل والأخير في دحر الجماعات الإرهابية وهزمها، حتّى ولو كان الثمن، جراحاً ما زالت تنزف من جرّاء غياب عسكريين مخطوفين، ومن شهداء وجرحى مهدوا بدمائهم وأوجاعهم، طريق الخروج من الجرود.

أمس كانت جرود عرسال، على موعد مع اندحار آخر الجماعات المُسلحة عنها بعد أكثر من أربع سنوات على تواجدها فيها وجعلها مقرّاً لها ومنطلقاً لعملياتها ضد الأراضي اللبنانية والمدنيين اللبنانيين. هو يوم مشهود هيأت له الدولة بدعم عسكري للجيش غير مسبوق، وبقرار سياسي غير محدود كان له الفضل الأوّل والاخير في ما وصلت اليه الجرود اليوم، وذلك من خلال العمليات العسكرية والأمنية النوعية التي كان يُنفذها الجيش ضد هذه الجماعات والتي أدت في كثير من الأحيان، إمّا إلى قتل قادة كبار منها، وإمّا إلى اعتقال «أُمراء» وعناصر وأفراد، كانوا يُخططون لللقيام بسلسلة أعمال تفجيرية وتدميرية، إمّا بسيارات مُفخّخة، أو عبر أحزمة ناسفة.

بيان للأمن العام أمس حول خروج عناصر من «سرايا اهل الشام» وعدد كبير من المدنيين، كان كافياً لوضع الأمور في نصابها بعد سنوات من الفلتان. في الحقيقة، نعم هناك إرهاب في جهة أخرى من هذه الجرود، لكن هذا الوضع وبحسب آخر المعطيات التي أعلنتها مصادر عسكرية لـ «المستقبل»، أصبح على بعد ساعات من إنتهائه بعد أن اقتربت بشكل كبير، ساعة الصفر لبدء العملية العسكرية للجيش في جرود القاع ورأس بعلبك. وما إنسحاب «سرايا أهل الشام» يوم أمس، والذي كان تعرقل لأكثر من مرّة لأسباب تتعلق بعملية التفاوض بين «حزب الله» و»السرايا» وأيضاً النظام السوري، سوى لحظة هامة ومفصلية في تاريخ إنهاء وجود تنظيم «داعش» في الجرود اللبنانية، خصوصاً وأن عمليات الدعم العسكري بالجنود والآليات التي يُعزّز بها الجيش مواقعه هناك، جميعها مؤشرات تدل على اقتراب موعد انطلاق المعركة التي قد يرى البعض أنها طالت، لكنها برأي قيادة الجيش ما زالت ضمن المُهلة المُحددة والمُقررّة.

بعد خروج المسلحين، انتشر الجيش في مواقع «السرايا» في الملاهي ووادي حميد في عرسال بعد أن تسلم الاسلحة الثقيلة والمتوسطة وعمل على تفكيك رشاشات الدوشكا و23 مليمتر المثبتة على سيارات رباعية الدفع قبل أن يسلمها إلى أصحابها. كما قام بحملة تفتيش دقيقة في منطقة وادي حميد للمرحلين إلى بلدة عرسال حيث تم العثور على اسلحة خفيفة حاول بعضهم تهريبها الى داخل بلدة عرسال.

وفي السياق أيضاً، فإن الجيش قد خيّر عناصر «التنظيم» في الجرود، بين الإنسحاب او الموت، لكنهم أيضاً تجاهلوا هذه الدعوة وهو ما يعني أن الأمور قد أصبحت على المحك. وفي رد على المشككين بدور الجيش خصوصاً في الشق المتعلق بعملية تحرير الجرود، تبرز تأييدات ومواقف داعمة للمؤسسة العسكرية تؤكد على أن الجيش ليس بحاجة لدعم من أحد ولا إلى تنسيق مع أي طرف خارجي ولا داخلي لُيُحقق إنتصاراً على الإرهاب. عناصر «داعش» في مأزق كبير، لكن هذا الأمر، لا يدعو إلى التهويل على الجيش ودعوته إلى التنسيق مع النظام السوري ميدانيّاً. وفي قلب المعركة، يُمكن المراهنة فقط على قوّة الجيش والدعم السياسي والشعبي الذي يتلقاه في الداخل، وعلى التأييد والدعم الدولي الذي يأتي فقط من خلال تقديم الأسلحة والدعم المعنوي وصولاً لتحقيق الإنتصار المُنتظر.

وللتذكير، فمنذ أن راجت الأحاديث عن وجود جماعات إرهابية في لبنان، وذلك بعد أقل من سنة من عمر بدء الحرب في سوريا، والتي كاد النظام السوري خلال هذه الفترة أن يلفظ أنفاسه الاخيرة، لولا تدخل «الحرس الثوري الإيراني» والميليشيات المتعددة والمتنوّعة التابعة له، راح بعض المُحللين السياسيين المؤيدين لمحور «الممانعة»، ومعهم بعض الأقلام التي تدور في الفلك نفسه، يتحدثون عن بيئات حاضنة وعن دعم عسكري ومادي لهذا الإرهاب في لبنان، وبدأت بين هؤلاء عمليات توزيع الأدوار وتوجيه الإتهامات الباطلة، فمرّة كان الشمال «وكراً» و»مقرّاً» له ونقطة لإعلان «الإمارة»، ومرّات كانت صيدا «بيئة حاضنة» وداعمة له وُممهدة لفرض سيطرته على البلد، كل البلد، وأيضاً، من دون نسيان عمليات التخوين والتهديد والوعيد لأحزاب وشخصيّات من فئة مُحددة أصبحت في وقت لاحق، مُستهدفة ومُهددة.