يبدأ الشريط المصوّر بمشهد لآلية تابعة لتنظيم «جبهة النصرة» وهي تسير بين جبال «القلمون» ووديانها، ليعود ويتبدّل المشهد بعرض مجموعة من الأسرى لدى «النصرة» وهم يتلون أسماءهم بالتدرّج ويُناشدون جيش النظام و«حزب الله»، عدم اقتحام بلدتي «هريرة« و«أفرة،« القريبتين من وادي بردى والمُحاصرتين منذ فترة وإيقاف هجومهما عليهما، وإلا سوف يتم إعدامهم جميعاً. بعدها يتبدّل المشهد للمرّة الثالثة والأخيرة حيث تظهر عملية الإعدام بشكل واضح ويتخلّلها مطالبة «النصرة» العناصر بالنطق بـ»الشهادتين» قبل إطلاق الرصاص.
بعد غياب طويل عن ساحة الإعدامات الحيّة والمصوّرة، عادت «جبهة النصرة» أمس الأوّل لتبث شريطاً مصوّراً يُظهر عملية إعدام بالرصاص نفذتها عند حاجز «الصفا» في احدى مناطق «القلمون» في ريف دمشق الشرقي، بحق أربعة عشر عنصراً ينتمون إلى جيش النظام بينهم لبناني قيل إنه ينتمي إلى «حزب الله»، وذلك بعد اسبوعين تقريباً على اعتقالهم إثر عمليّة كانت قد نفذتها «النصرة» على مواقع للنظام والحزب في بلدة «رنكوس».
منذ أسبوعين تقريباً، شنّت «جبهة النصرة» هجوماً واسعاً على نقاط عدة وتجمّعات لجيش النظام السوري و»حزب الله» في «القلمون» الشرقي حيث تمكّنت يومها من تدمير مراكز لهما واعتقال العديد من العناصر. يومها نفى النظام والحزب تعرضهما لأي هجوم، كما نفيا أي عملية أسر بحق عناصرهما، حتّى إن الإعلام الحربي للنظام راح يتحدّث عن «انتصار» وعن عمليات أسر وتدمير آليّات، ما يؤكد للمرة الألف كذب وخداع إعلام «الممانعة» في عمليّات بثّه للأخبار خصوصاً لجهة قلبه الحقائق وإنكار الضربات التي تتلقّاها «الممانعة». واللافت أيضاً، كان غياب أي تعليق رسمي سواء من قبل النظام أو «حزب الله» حول عمليّة الإعدام.
تبرز عمليّة الإعدام هذه مدى خطورة الوضع في منطقة «وادي بردى» في الجانب العسكري، وأهميته من الجانب الاستراتيجي. السيطرة على بلدتي «هريرة» و»أفرة»، هي هدف «حزب الله» والنظام، فبالنسبة إلى الحزب، فهي ستُمكّنه من وصل خط ناره وإمداداته ببلدتي «مضايا» و»الزبداني» وهذا ما سيُحوّل المنطقة بمجملها إلى «إقليم» واحد يتبع جغرافياً للحزب. أمّا بالنسبة إلى النظام، فان بسط سيطرته على «وادي بردى»، سيخوّله السيطرة على نبع مياه «عين الفيجة» الذي يُغذّي مدينة دمشق. ومنذ استنزافه في معركة «الزبداني»، يُكرّس «حزب الله» في حربه في ريف دمشق، سياسة «قضم« المساحات بحيث صار مطلبه الأساسي في كل بلدة او قرية يخوض فيها معاركه، تهجير الأهالي منها بعد الطلب منهم ضرورة إخلائها، «تحت طائلة المسؤولية».
في ظل تجاهله لحياة العناصر وإصراره على اقتحام البلدتين رغم التحذيرات المُسبقة بإعدامهم التي كانت اطلقتها «النصرة»، تسقط مقولة كان ردّدها «حزب الله» طوال فترة ثلاثين عاماً وأكثر، «نحن قوم لا نترك أسرانا». وهذا ما فعله الحزب أمس الأوّل عندما فصل بين ما تقتضيه مصلحة عناصره وعناصر حلفائه، وبين مصلحته الخاصة التي تتطلب منه تفضيل الحجر على البشر ضمن مشروع التوسّع «الديموغرافي» الذي سار عليه منذ ان احتل بلدة القصير في ريف حمص والتي ألحقها بـ»الزبداني» و»مضايا» سعياً لإنجاز خريطة «سوريا المفيدة» بعدما تأكد من عجزه عن السيطرة على كامل الأراضي السوريّة على الرغم من الدعم العسكري والمادي والبشري واللوجستي المتوفّر له منذ أحد عشر عاما.
من يسأل عن دور النظام السوري في كل ما يقوم به «حزب الله» في المناطق السوريّة، يرى ان دوره يقوم على تسهيل مهمات الحزب في بسط سيطرته على مساحات واسعة من المناطق المحاذية للبقاع الشمالي بحجة حماية خاصرة النظام في العاصمة دمشق من أي تسلل للجماعات المسلحة من لبنان، وهو تفويض كامل ليتصرف «حزب الله» على هواه داخل هذه المناطق وبالتالي إخضاعها لنفوذه وجعلها مستقراً لعناصره ونقاط تجمع متقدمة لهم، على غرار منطقة «السيدة زينب« في دمشق التي حوّلها الحزب الى نقطة تجارية فيها يستثمر رجاله ورجال أعمال إيرانيون، اعمالا غير مشروعة، وذلك بحسب ما يُخبر عائدون من زيارة العتبات المقدسة في سوريا.
وللتأكيد على أهميّة التوسع الديموغرافي الذي ينتهجه «حزب الله» في سوريا والذي يُقابله النظام السوري بغض طرفه وهو سلوك يُنتهج منذ عهد الأسد الأب، لا بد من الاعتماد على الذاكرة وتحديداً لجهة مراجعة خطابات جزار سوريا بشّار الأسد الذي أقرّ ذات يوم بشرعية ممارسات الحزب بقوله «سوريا ليست للذي يعيش فيها ولا للذي يحمل جواز سفرها، بل للذي يدافع عنها«.