IMLebanon

وأخيراً: التشكيلة المنتظرة! وآخراً: الحفظ في الأدراج؟

 

 

كلٌّ ينفي عن نفسه وعن حزبه مسؤوليته عن العقدة الكأداء التي تحول دون تأليف الحكومة! على من تقع المسؤولية بحقيقتها ونتائجها المرّة على الوطن وعلى المواطنين؟ هناك من الفرقاء من يسعون جاهدين، وبكل أساليب التخفّي والتصميم على قلب الوقائع ونتائجها رأساً على عقب، ويتمثلون بأولئك الذين يحاولون إلقاءها على كاهل الرئيس المكلف، وهو، على ما يبديه من رغبة أكيدة في تجنب القطوعات المرّة التي طالعوه بها منذ بدايات التكليف وما زالوا، ولكن اللبنانيين الذين تأكدت لهم تلك الأسباب واضحة وجلية، خاصة بعد ذلك الإعلان الواضح والصريح الذي فسّر مواقف الوزير جبران باسيل، بأن الآخرين غير مرتاحين لكونه الأسبق بينهم لمنصب رئاسة الجمهورية، مع الإصرار على أن تكون حصة الرئاسة مضاعفة التعداد وعلى أن يكون عدد الوزراء المحسوبين على التيار ورئيس الجمهورية، اثنا عشر وزيرا بينهم نائب رئيس الحكومة ووزارتين سيادتين (الخارجية والدفاع).

ولئن كان الرئيس الحريري قد قام بكل واجباته التشكيلية من خلال مداولاته مع الجهات السياسية كافة، فقدم مشروع تشكيلة حكومية مخصصة إلى رئيس الجمهورية من حواضر البيت اللبناني القائم، فتسلمها فخامته بتحفظ معتبراً إياها مشروعاً أولياً ومبدياً ملاحظاته حولها استناداً إلى الأسس والمعايير التي حددها لشكل الحكومة والتي تفرضها المصلحة الوطنية، الأمر الذي فسره المراقبون وأكده المطلعون بأنه رفض دبلوماسي لمشروع تلك التشكيلة، وقد تبدّى ذلك صراحة من خلال موقف الوزير باسيل ومقررات التيار الوطني الحر برفضه الصريح لتلك التشكيلة وبتشبثه الكامل بمواقفه الأساسية المعلنة دونما أي تعديل أو تنازل، إلاّ أن المتابعين لوقائع الأمور وخباياها يتبين لهم أن العقدة الحقيقية والرئيسية المانعة من التشكيل هي في شقها المحلّي، عقدة التيار الوطني الحر المتلطي بموقع رئاسة الجمهورية والمتشبث باستمراريتها بعد انتهاء ولاية العهد الحالي من خلال السعي الحثيث إلى إيصال الوزير جبران باسيل إلى هذا الموقع العتيد، كما يتبين أن عقدة الطعن باتفاق الطائف ما تزال راسخة في كثير من الأذهان والمواقف المتخفية، وأن هناك تصميماً على أن يكون للعهد القائم سمة «العهد القوي» حيث يتبين أن من بين المقصود بهذه القوة، وضع اليد على الصلاحيات الأساسية للدولة بأركانها جميعا، وتطويق وطمس معالم القوى المنافسة وفي طليعتها، القوات اللبنانية، وطالما أن دستور الطائف يوزع الصلاحيات ما بين الرؤساء الثلاثة، ويحصر القرارات الحكومية بمجلس الوزراء مجتمعاً، فقد تم التوجه إلى إجراء التعديلات التي تبدل في الوضعية التوافقية والميثاقية الناتجة عن اتفاق الطائف وبالتالي عن الدستور اللبناني الذي اعتمده اللبنانيون استنادا إلى مضامينه، من خلال خلق أعراف مستجدة واختراق أهم الميادين الأساسية التي يعتمدها الدستور اللبناني القائم، وبما يجعل النظام البرلماني السائد، أقرب ما يكون إلى نظام رئاسي ممسك بخيوط الحكم كلها، أكبرها والصغير، وما نشهده في هذه الأيام بصدد أزمة التشكيلة الحكومية يحمل في طياته كل هذه الممارسات التي من شأنها لو تحققت أن تقلب الطاولات كلها رأساً على عقب وفي طليعتها الطاولة الميثاقية.

كل ذلك، دون أن يؤخذ بالإعتبار أنه إذا كان ممكناً لأي سبب من الأسباب، التغاضي عن محاولات إقرار الأعراف، كون رئيس الجمهورية الحالي يتمتع بصفات المسؤول الأول القوي، فإن هذا الوضع لن يكون نفسه مع رئيس آخر، ربما يكون قوياً وربما لا يكون، وإن الصلاحيات التي أقرها اتفاق الطائف قد جاءت نتيجة لإهتزازات بنيوية هامة كادت أن تقضي على هذا البلد المتوازن برئاساته وصلاحياته وبيئته الطائفية، فجاء «الطائف» عصارة لجهود عربية ودولية محلية أعادت إليه استقراره الأمني والإجتماعي والإقتصادي في إطار من التوافق الذي لبثنا ننعم بإيجابياته حتى الآن.

دون أن ننسى أن محاولات هزهزة الطائف تمهيداً لإيقاعه أرضاً تتجاوز بعض الإطارات اللبنانية المحدودة، لتصل إلى اطارات تعديل النظام اللبناني بأسره من خلال اعتماد نظام جديد دون أن ننسى أن بعض وأهم النافخين في النار قد أصبحوا حكاما فعليين بوهج قوتهم وأثر سلاحهم، ومشاركتهم في حروب ما أنزل الله بها من سلطان، ومتجاوزين الإطار المحلّي الصرف، كما ومتجاوزين وضعية الدفاع عن الأرض اللبنانية ومواجهة العدو الإسرائيلي إلى التلاحم مع النظام الإيراني القائم، وصولاً إلى خوض الحروب القريبة والبعيدة، بالوكالة عنه وبالأصالة، وعلى أساس من قناعاته وايديولوجيته وتوجهاته، وإنّ جزءًا هاماً من العقبات التي تحول حتى الآن دون التشكيلة الحكومية وذلك الدفع القسري باتجاهات عديدة، بينها المطالبة الملحّة بالتطبيع مع النظام السوري، الأمر الذي يقف دونه كثير من العثرات والمطبات، بعض مما يدور في الظن والاعتقاد بأن هذه المطلبات هي جزء من كل، وأن الجزء هو تلك العراقيل الأولية التي بدأت تطفو على الساحة اللبنانية، وأن الكل يتمثل من ما هو آتٍ، بعد تشكيل الوزراة العتيدة، (هذا إن تشكلت في موعد منظور) وبعد أن تستقر الأوضاع على بعض من التوافقات التي ترقى إلى حدود المعجزة في حال تحققها، حتى إذا لم يتم ذلك، فإن التلميحات والتصريحات والدراسات والاجتهادات الموضوعة والمتوقعة، ستكون حبلى بالمفاجآت المزعجة التي نأمل أن يتلافى حكماء هذا البلد حصولها، مع الأخذ الدائم بعين الاعتبار أن لبنان قائم على أسس من التوازن والحساسية الشديدة، حتى إذا ما اهتزت هزت معها كيانه كله. هذا واقع جربناه كثيراً في سنوات الإحتراب الداخلي والفلتان الأمني لا ردها الله، وبالحرص الشديد وبرفع بيارق الحكمة والتفاهم الوطني الشامل، ننجو وينجو معنا الوطن.