على رغم علمه المسبَق بعدم توافر النصاب لجلسات مجلس النواب التي يدعو اليها لإنتخاب الرئيس، يواظب الرئيس نبيه بري على تحديد مواعيد جديدة، على أمل أن تنعقد جلسة قانونية تنتهي وقد أصبح للبلد رئيس جديد.
يعرف رئيس المجلس انطلاقاً من موقعه ودوره، أنّ عملية تأمين النصاب سياسية، ويريد لمجلس النواب كمؤسسة أن يبقى مستعداً لإحتمال أن يتم الاتفاق السياسي، وبالتالي يتم الانتخاب. واذا ما جرى التفاهم السياسي على «رئيس جمهورية» يكون المجلس جاهزاً للقيام بدوره، وهو آخر ما بقي من مؤسسات يمكن البناء عليها للعبور نحو مرحلة جديدة.
وفي الاشارات التي يرسلها الرئيس نبيه بري في إصراره على تعيين موعد لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، أنه يقوم بدوره كرئيس للبرلمان، وفي أساس الدعوة ومضمونها رسالة «دورية» للجميع لتذكيرهم بموضوع الشغور، ولدفعهم نحوَ تحمّل مسؤولياتهم.
يراهن الرئيس بري بأن تكون المسافة الفاصلة بين موعد جلسة وأخرى، فرصة مناسبة لتكثيف الاتصالات والعمل على إنتاج رئاسة. ولذلك لا يتوقف عن الدعوة الى تذليل كلّ العقبات التي تحول دون اكتمال المهمة.
لا شكّ في أن لديه صلاته واتصالاته العربية والدولية، وهو من موقع الخبير يعرف التأثير الخارجي في القرار الداخلي. ولكنّ هذا الامر لا يجعله في حال يأس من إحتمال أن تنشأ تسوية داخلية وتفاهمات تفضي الى وقف النزف في جسد الدولة، وبعث الحياة في مؤسساتها انطلاقاً من الرأس.
البعض يقول إنّ عدد الدعوات التي سيعلنها رئيس المجلس ستفوق الخمسين أو المئة، لأنّ ظروف انتخاب الرئيس لم تنضج بعد. وفي هذا السياق يكون السؤال: هل المفروض أن يقبل بالأمر الواقع ويتوقف عن تعيين جلساتٍ لكي يعمّ الفراغ وفقدان الامل في كلّ شيء؟ هذا الامر من صلب الادوار المنوطة بالرئاسة الثانية.
النقاش ليس في مبدأ الدعوة الى جلسات، بل في عدم توافر النصاب للأسباب المعلومة. ولكن، بدل الانصراف الى عدّ الدعوات التي لا تكتمل، واعتلاء منابر الجلسات غير المنعقدة، لتحميل الآخرين المسؤولية، لماذا لا يتمّ البحث في جوهر المعوقات والدوافع التي تمنع توفّر النصاب؟
في ظروف طبيعية، يصحّ خطاب فريق 14 آذار في الدعوة للنزول الى البرلمان والاحتكام الى صندوق الاقتراع. هذا طبيعي في بلاد مستقرة مستتبّة. ولكنه يستحيل في بلد قائم على المحاصَصة الطائفية، وعلى ميثاق وطني أساسه الشراكة والعيش المشترَك.
لقد قام النظام في مرحلة ما بعد العام 1990 بإنتاج رؤوساء يعكسون تقاطع الارادات الخارجية ورغباتها. ولكنّ المسألة اختلفت جوهرياً بعد الخروج السوري، والافتراق السوري-السعودي حول لبنان. هل ننسى أنّ آخر رئيس منتخب جاء بتسوية دولية-اقليمية عُقدت في الدوحة؟ ألم يكن يعني ذلك إعلان فشل النظام؟ وبالتالي حاجة هذا النظام لجرعة «حياة» خارجية تلقاها في قطر؟
بعد «إتفاق الدوحة» الذي كان تفاهماً سياسياً-ميثاقياً كاملاً لم يعد في الإمكان العودة الى آليات النظام لكي ننتج حلولاً. أصبحنا امام انواع مختلفة في تفسير النظام والميثاق والصيغة. البعض يحيل الأمر الى تعقيدات سياسية. ولكنّ واقع الحال يؤكد أنها تعقيدات ميثاقية وعورات تعتمل الصيغة. وقبل البحث في رئاسة الجمهورية، أصبح ضرورياً إنقاذ الجمهورية.
والانقاذ يبدأ بالعودة الى جذور الفكرة اللبنانية، ويعني شراكة متوازنة في الدولة من خلال احترام النظام. عدا ذلك من محاولات بحث ستظلّ عبثية، على الاقل طالما أنّ العماد ميشال عون يرفضها. الرئاسة أمام خيارين: إما استمرار الفراغ حتى تنضج ظروف خارجية تسعفنا على إعادة تأسيس الدولة، وإما أن نتجرّأ على الواقع ونعترف بالمشكلة ونعمل على حلّها بعقد وطني جديد يستفيد من تجارب الماضي.