لا ندري كم يحتمل مزاج اللبنانيين فعلا هذه الحمى السياسية والإعلامية المنفجرة في كل الاتجاهات حول الاتفاق النووي، كأن لبنان منه هو “أم العروس” اكثر من الدول المعنية بالاتفاق. ولا نعود الى هذه الظاهرة لولا الكثير من العقد التي تفضح خلفيات الصخب الداخلي الذي فجره الاتفاق كأنه البدل من ضائع لبناني طال انتظاره الى حدود اليأس فرحنا نهزج على افراح سوانا لاستحالة ما ننتظره عبثاً.
لعلنا لا نغالي في سخرية هي اقرب ما تعبر عن واقع اللبنانيين إن تساءلنا: اي قيمة لكل هذا الصخب والثرثرة وتفوق المواهب في تلقف الاتفاق النووي تشريحاً واستشرافاً فيما تعود حكومة لبنان بعد سنة وشهرين الى نقطة الصفر إياها للبحث عن آلية لعملها كأنها حكومة هائمة بلا دستور ولا من يحزنون؟ ولا نذهب مع الذين استغربوا أو تأسّوا لرؤية الدول الست الكبرى وإيران تبرم الاتفاق التاريخي، فيما كان البرلمان اللبناني يسجل في اليوم ذاته لولادة هذا الاتفاق الشهادة الـ٢٦ على فشله في انتخاب الرئيس. هذه الاستحالة لا تتطلب تفسيراً، وحرام الضرب بالميت أو مقارنة “دول” لا تسيرها سوى مصالحها الكبرى والاستراتيجيات الحقيقية بدولة بالكاد بقي منها الهيكل الشكلي بفعل الإمعان في تفريغ كل مؤسساتها وضربها لأن اكثر من ربع قرن بعد اتفاق الطائف لم تقم فيها ثقافة انتماء الى وطن ودولة وانسان. والأنكى من ذلك ان اناشيد التغني والاحتفاء بالحدث النووي سخّرها بعض المعنيين عندنا، وخصوصا في الجوانب القابضة على ازمة الفراغ الرئاسي، لفضح كل ما حاول البعض الآخر انكاره في الفصول المتعاقبة من الازمة.
ولكن اذا كانت “كبائر” السياسة اللبنانية وارتباطاتها وامتداداتها الاقليمية والخارجية تبيح وتبرر هذه الحمى على وقع تطور بهذه المواصفات الهائلة من الاهمية والغموض والترقب، فماذا عن مقارنة اقل تبسيطاً وتعقيداً في تجاربنا “التفاوضية” المحلية مع تجارب الدول؟
ربما تفرض اللياقات الاعتذار المسبق من دول اتفاق فيينا إن أخذ بنا الهبوط مأخذ الحديث عن “مطمر الناعمة” في معرض اشتهائنا الانتماء الى دولة. عقود من المماحكات والفشل والفساد والترقيع تنتهي الآن بأزمة طمر بيروت وجبل لبنان ومناطق اخرى بالنفايات وتعميمها. مثلها الفضيحة الاكبر للكسارات والمقالع التي نهشت البلد الاجمل على المتوسط كرمى لعيون الفاسدين والمفسدين. ومثلها واكثر كارثة اوتوستراد بيروت – جونية – الشمال الذي ينهش العابرين في مخانق ممر الساعات المستهلكة للاعمار والصحة والأعصاب.
لا تحدثونا عن أزمات البلد السياسية بعد اليوم، نحن البلد الأكثر فشلا في تصنيفات الواقع قبل تصنيفات المؤسسات الدولية. بعض التستر فقط بالتواضع ربما يكون فضيلة “نووية”!