IMLebanon

…و«القوات»: إقصاؤنا جزء من سلسلة طويلة

 

يؤمن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بأنّ الانكفاء والحرد لا يفيدان سياسياً ووطنياً، رغم محاولات الاقصاء والعزل والتطويق التي يتعرّض لها حزبه، وآخرها وضع «فيتو» على مرشحه الماروني سعيد مالك الى المجلس الدستوري…فما هو الهدف من محاولات عزل «القوات» المستمرة منذ عام 2016؟

 

مرّت جلسة مجلس الوزراء أمس الأول ولم يتم تعيين مالك في المجلس الدستوري رغم وعود الكثير من الأفرقاء السياسيين لـ»القوات» بالدعم والمؤازرة. لكن اصرار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وعدم التزام الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بوعدهما، منعا تحقيق هذا الأمر، وتمكّن «التيار» من الاستئثار بالمقعد الماروني الخامس في المجلس الدستوري وإقصاء «القوات» من تحقيق هدفها، وبالتالي تستمر محاولات إضعافها وعزلها على ما تؤكّد مصادرها.

 

فماذا حصل في مجلس الوزراء من وجهة نظر قواتية؟

ضغط باسيل على الحريري من باب انّه يريد المقعد الماروني الخامس من حصته، متوعداً باستخدام الثلث المعطل في وجه تعيينات المجلس الدستوري. أمام هذا الوضع، رضخ الحريري وتراجع عن وعده لـ»القوات»، مقترحاً عليها القبول بمرشح كاثوليكي او ارثوذكسي. لكن وزراءها تمسّكوا بالمقعد الماروني نظراً إلى المواصفات الاستثنائية لمالك المعروف بكفاءته. هكذا، دفع جعجع مرة أخرى ثمن مبادئه وثوابته، ومرة أخرى يُصاب بالخيبة، بعدما وعده بري بأنّه سيدعم مرشحه في مجلس الوزراء، لأنّه لا يستطيع أن يمرّر مرشحين مارونيين في مجلس النواب. وبناء عليه قبلت «القوات» بتأمين النصاب والتصويت على اللائحة آنذاك، معتمدة على وعدي الحريري وبري لتمرير مرشحها في مجلس الوزراء. لكن الحريري تراجع امام ضغوط باسيل، وبري رأى انّ صوته لم يعد نافعاً لـ»القوات» فتراجع.

 

بات مؤكّداً انّ الحريري و»القوات» يتقاطعان بالرؤية الاستراتيجية لكنهما يختلفان في النظرة إلى قيام الدولة في لبنان، هذا برز بدءاً من صفقات بواخر الكهرباء وصولاً إلى تعيينات المجلس الدستوري.

 

وترى مصادر «القوات»، انّ محاولة اقصائها الأخيرة في المجلس الدستوري جزء من سلسلة طويلة، لكنها رغم هذه الضغوط لا يبدو انها تتراجع، وهي اعتادت منذ الانتخابات النيابية الأخيرة على هذا الأسلوب من التعامل، مدركة انّ باسيل ليس وحده، بل يلقى مباركة حلفائه، ولاسيما «حزب الله»، الذي يعتبر اعلامياً وظاهرياً انّ ما يحصل لا يعنيه انما يصبّ في خانة النزاع المسيحي- المسيحي بين «التيار» و»القوات»، كما كان موقفه بالنسبة إلى النزاع الدرزي – الدرزي بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان.

 

يملك باسيل بين يديه كل ما يساعده على إقصاء خصومه، وهو يستخدم ذلك كما يجب، إذ نجح نسبياً في الانتخابات النيابية من حصد أكبر عدد من المقاعد المسيحية مستفيداً من شعار «العهد القوي»، ناسجاً تحالفات غير مألوفة، سمحت له بتشكيل أكبر تكتل نيابي مسيحي، وفي المقابل حاول استهداف «القوات» بعزلها عن التحالفات من خلال تجنّب التحالف معها في كل المحافظات والأقضية، وإبعاد تيار المستقبل عنها. وكان هدفه أن تخرج «القوات» من الانتخابات ضعيفة، والانتقال من الثنائية المسيحية إلى الأحادية المسيحية، واظهارها انّها لا تستطيع منافسته رئاسياً، وغير قادرة على أن تشكّل معبراً نحو قصر بعبدا كما فعلت لوصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة. مع ذلك، تمكنت «القوات» من الفوز بـ15 مقعداً، ولم ينجح باسيل باقصائها كما كان مصمماً، بحيث لا تزال تشكّل مع «التيار» الثنائية المسيحية من دون تحالف وتعاون.

 

محاولة الاقصاء الثانية، على قول مصادر «القوات»، كانت في تشكيل الحكومة. وبدا من اللحظة الأولى انّ هدف باسيل إحراج «القوات» لإخراجها من المشهد السياسي الوطني. تمّسك باسيل بفكرة «العدّ»، أي انّ عدد نوابه يتجاوز عدد نواب «القوات» على نحو كبير، وحاول بشتى الوسائل عزلها عن تحالفاتها، إن بعمقها السنّي مع تيار «المستقبل»، وإن بعمقها الدرزي مع الحزب التقدمي الاشتراكي، وخفّض مستوى الحقائب التي تريدها لحملها على الخروج نهائياً من الحكومة، فنجح نسبياً وقبلت «القوات» بحقائب غير وازنة، الّا انّها بقيت في «الحكومة» واعتبرت انها لم تحقق لخصومها طموحهم بإقصائها.

 

من جهة أخرى، كان الرئيس سعد الحريري يتعرّض لضغوط لفك ارتباطه بـ»القوات»، لكنه استمر بدعمه لها قدر الامكان وأصرّ على تمثيلها في الحكومة وإن بالشكل غير العادل. والجميع يذكر موقف جعجع آنذاك، «ليس هناك من حقائب وزارية حقيرة وانما هناك اناس حقيرون».

 

وتشير المصادر إلى العملية الثالثة التي شهدت محاولات تطويق «القوات» وكانت على هامش حادثة قبرشمون، اذ لم تكن تستهدف الاشتراكي فحسب، انما كسر حلقة رئيسية من حلقات التوازن السياسي الممثل بـ»المستقبل» و»القوات» والاشتراكي وتشتيت قوة هذا الثلاثي السيادي. وحتماً توكّل باسيل أن يكون رأس حربة في هذا المشروع، والهدف مرة أخرى ازالة كل العوائق التي تمنع وصوله إلى قصر بعبدا. والخطوة تقضي بضرب الاشتراكي وعزل «القوات» واستفراد الحريري، الّا انّ تضامن الثلاثي السيادي احبط المشروع بصلابته مدعوماً بموقف اميركي حاسم وحازم.

 

تؤكّد مصادر «القوات، انّ باسيل مقتنع بأنه كلّما اضعف «القوات» شعبياً ووزارياً ونيابياً والتعيينات، يُقصي خصماً قوياً وتتقدّم فرص وصوله إلى قصر بعبدا. واللعبة السياسية والمنافسة المشروعة تسمحان له بالمتابعة في هذا الاداء، لذلك لن تكون عملية إقصاء مرشح «القوات» للمجلس الدستوري آخر حلقات النزاع بين الطرفين، بل ستشهد حلبة التعيينات في كل المجالات نزاعاً مفتوحاً، ودائماً باسيل في الموقع الهجومي مستفيداً من فائض القوة التي ينالها من الموقع الرئاسي من جهة، ومن تحالفه مع «حزب الله» من جهة أخرى. و»القوات» في موقع دفاعي، متمسكة بثوابتها ومبادئها ومطالبها بتطبيق مبدأ الكفاءة اولاً.