يوماً بعد يوم يتكشّف أكثر فأكثر الدور الذي أنشئت لأجله «سرايا المقاومة» الفصيل العسكري التابع لـ»حزب الله» والجاهز على الدوام لأي تحرّك أو تدخّل لخربطة الوضع الداخلي، يبدأ عن طريق دبّ الذعر والرعب في قلوب الآمنين عبر اشتباكات مُسلّحة يفتعلها هذا الفصيل المُسلّح والذي قيل فيه ذات يوم بأن وجهة سلاحه ستكون فقط بإتجاه إسرائيل.
في تلك الأيام ربّما تمكّن «حزب الله» من خداع جزء من اللبنانيين بأن «السرايا» التي أنشأها من شبّان ينتمون إلى مُختلف الطوائف سوف تكون ظهيراً لمقاومته في مواجهة العدو الإسرائيلي، لتعود وتتكشّف حقيقة الأهداف التي تكمن خلف «المشروع» الذي تحوّل إلى مصدر قلق يوم وجّه أولى رصاصاته صوب اللبنانيين في السابع من أيار العام 2008 عندما ارتكبت عناصر هذه «السرايا» جرائم قتل بدم بارد وأحرقت عدداً من البيوت والسيارات ونهبت بعض المحال التجاريّة قبل حتّى أن تضع برنامج عملها «المُقاوم»، ليتذكّر معها المواطنون حينها أبشع محطّات حياتهم زمن بداية الحرب اللبنانية.
أهالي بيروت، وتحديداً منطقة رأس النبع، لا تزال أحداث «7 أيار« محفورة في ذاكرتهم لما تركته من آثار نفسيّة صعبة في نفوسهم وهم الذين خسروا بعضاً من أبنائهم على يد «سرايا حزب الله» على حد وصفهم لها. الحاج حسن طبارة هو أحد الشهود على إجرام هذه «السرايا» التي قتلت يومها زوجته آمال بيضون وابنه الدكتور هيثم أمام عينيه لحظة هروبهما من القصف الذي كان يستهدف منطقتهم بالإضافة إلى إصابة أحد أبنائه الآخرين. بعد مرور أكثر من سبعة أعوام على الحادثة لا يزال مشهد الزوجة والابن محفوراً في ذاكرة طبارة الذي يكتفي عند توجيه أي سؤال له بالقول «كل إناء ينضح بما فيه.»
في تعريف عن هذه «السرايا» والدور الذي تؤديه والأسباب التي دفعت بـ»حزب الله» إلى إنشائها يعتبر العديد من أبناء الضاحية الجنوبيّة أن عناصر السرايا تتبع مباشرة لمسؤولين عسكريين كبار في الحزب أحدهم يُدعى «جهاد»، ومن المعروف أن هذه العناصر لا تخضع لشروط مُحدّدة تخوّلها الانتماء إلى «السرايا» إذ يكفي أن يُعرّف أحد عناصر «حزب الله» عن أي شخص ليتم قبوله في صفوفها. ويُضيف هؤلاء أن معظم العناصر هم في الأصل من العاطلين عن العمل وأصحاب السوابق، ويكفي أن يعود المرء بالذاكرة إلى ما بعد أحداث السابع من أيار يوم فتح بعض عناصرها النار على مركز للحزب في محلّة صفير بعد تأخير دفع رواتبهم لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر وكمكافأة على الدور الذي لعبوه به في تلك المعركة.
بدوره يُعبّر أحد أصدقاء الشهيد كرم ناصر الذي استهدفته رصاصة قنّاص ينتمي إلى «السرايا» في منطقة «كراكاس» في السابع من أيار عن ألمه وحزنه لتلك اللحظة التي فقده فيها، يقول مروان: «كان كرم على درّاجته النارية قرب منزله عندما فوجئ بحاجز لهم، وفي اللحظة التي حاول فيها الاستدارة أطلق القناّص رصاصة واحدة استقرّت في رأسه من الخلف فقتل على الفور. لكن سيبقى كرم الشاب الذي كان يضجّ بالحياة وبحبه للناس حرقة في قلوبنا، فلن نُسامحهم ولا ننسى دماء الأبرياء التي سقطت على أيدي هذه السرايا في الجبل وبيروت والشمال وصيدا». ويُتابع: «والد كرم لا يزال أسير الحادثة، فجلّ حديثه عن ابنه وطيبة ابنه، يرفض أن يُغادر ذاكرته ويعيش معه في يوميّاته والأصعب من كل هذا أن كمال، والد كرم، يعرف تماماً بالاسم والصورة الشخص الذي قتل ابنه.»
وكما بات معلوماً في أوساط بيئة «حزب الله» وجمهوره أن عمل السرايا لم يعد يقتصر فقط على الميدان العسكري رغم أهميّته الكُبرى، إنّما هناك جانب أمني محض بدأ يوكل إلى عدد من عناصرها منها مراقبة ورصد مناطق وشخصيّات بالإضافة إلى تقديم تقارير مفصلة يوميّة حول كل حركة تحصل ضمن نطاق تواجدهم، والأبرز أن التشبيح والاعتداء على كرامات الناس باتا سمة بارزة تؤهّل العنصر الإنخراط في صفوفها وأصبح مُتاحاً لغير اللبنانيين الانتماء اليها ولو براتب رمزي كون الأهم هو الحصول على بطاقة حزبيّة تمنح حاملها الدعم المعنوي.