إِحمِلْ صليبَكَ وانزِفْ أدمُعاً ودمَا فغيرُ أمِّك مَنْ يستشعرُ الأَلما
هُمْ يدفعونكَ منقاداً بسوْطِهمِ وأنتَ تنقادُ مدفوعاً بصوتِ سمَا
واستشرسَتْ أمَّةٌ يا وَيْلَها صلبَتْ إبنَ السماءِ وراحَتْ تعبدُ الصَنَما
ج. هـ.
إنَّه الزمن الهمجي الذي كان من قبل، زمن الكفر والزندقة والتوحُّش القيصري، وهو المشهد المدمَّى يتكرَّر في زماننا، بعد ما يزيد على المئتي قرنٍ من ذلك التاريخ السماوي.
هذا الشرق الذي اختاره الله مولداً للأنبياء، يتنكَّر لمن أُرسلوا الى العالم ليشهدوا للحق، وينشئوا ملكوت الله على الأرض، ولم يُكرَّم نبيٌّ في وطنهِ… والمسيح الذي في الشرق وُلِدَ، فهو أيضاً قد صُلب فيه.
هذه الأرض التي قيل إنها مقدّسة، تلتهب بالإثم، تغرق في بحور الدم، والتكفيريون فيها يشنّون حرب الإلغاء على الأنبياء، وحرب التمرد على الله، وحرب العصيان على السماء.
ونحن في هذه الأرض أمَّةٌ، ولنا في هذا الشرق وطنٌ، ونحن في الوطن غرباء، والغرباء عندنا يستبيحون الأرض والعِرض ولا شرائع ولا قوانين تصون حقوق الآدميين.
ونحن عندنا غيرُ مسيح دجّال، وعندنا حكم وحكومة ومجلس نواب، وعندنا أمبراطوريات وقياصرة، وبيوت صلاة تُدعى وهي مغاور للصوص، وعندنا وزراء طوائف، ومدراء مذاهب، وأمراء حرب، وأمراء نفط وكهرباء وأثرياء… وعندنا مرافئ ومرافق، ومعابر ومطامر، وعندنا هدرٌ لمال الشعب، وهدرٌ لماء الوجه، وطمرٌ للرؤوس في الرمال.
ونحن عندنا سفَّاحون شرعيون يغتالون القانون ويتقاتلون على الضحية، وعندنا ديمقراطية دستورية وانتخابات بالتمديد، وسلطة شرعية مستمدة من صوت الشعب المقدّس الذي هو من صوت الله، وصوت الشعب المقدّس كُرَةٌ يقترع بها اللاَّعبون بالأقدام، ولكلِّ فريقٍ ملعبه الخاص وقانونه الخاص ودائرته الإنتخابية الخاصة، ولبنانه المذهبي الخاص.
ولأننا نحن في هذا الشرق لا نزال نتجرَّأ على الإحتفال «بالجمعة العظيمة» فكان عندنا بيلاطسيون يغسلون أيديهم تبرُّؤا من دم الصديق، لتكون من بعد، مسيرة الآلام الدستوري، وأكاليل الشوك وكؤوس من الخلّ، ولسعٌ بالسياط والحراب وصولاً الى الجلجلة ومسامير الصليب.
وبين لصِّ اليمين ولصِّ الشمال يُصلب القانون، وعلى ثياب المصلوب يقترعون، وليس على الأرض سلامٌ ورجاء صالح للبشر.