IMLebanon

وذكّر… إن نفعت الذكرى

الأحوال السائدة في سوريا بعد عملية الغزو الروسي وتوابعها… هي أشبه بوكر الدبابير الذي تم التحرش به بفعل فاعل، فتطايرت دبابيره في كل اتجاه، وبدأت عقصاتها المؤلمة تطاول الجميع دون استثناء. وفي طليعة المعقوصين بصورة إجرامية… الشعب السوري الذي تزداد أوضاعة غوصاً في «دياسبورا» داخلية وإقليمية وأوروبية، ودبابير الساحة السورية يتمثلون اليوم في بقايا النظام السوري وخاصة، بقايا جيشه، حيث أثبت الدخول الروسي على الخط في ضمن ما أثبته، أن هذا النظام ما كان له أن يصمد لولا النجدة التي أنقذته، ولم تكن قبلاً، لا على باله ولا خاطره.

ولا بد من التركيز بداية على الدبابير الكبيرة المتعاقصة عسكرياً وسياسياً فوق الأرض السورية: الولايات المتحدة وملحقاتها من الدول الاوروبية «وإسرائيل»… وأخيراً، وليس آخراً… روسيا التي أصرّت على خوض الغمار السوري مؤخراً بفوج من الدبابير كبيرة الحجم والعقص. وهكذا، اختلط الحابل بالنابل، وتحولت بعض الدبابير إلى طائرات حربية متقاتلة ومتنازلة متعددة الجنسيات والإتجاهات تسعى على هامش مخططاتها الإستراتيجية إلى أن لا تتصادم بدبابيرها مختلفة الأنواع والأحجام وفي طليعتها، طائراتها التي تخيّل في سماء سوريا وتتعدى حدودها أحيانا فتطاول الأجواء التركية، الأمر الذي أثار الأتراك ومعهم الحلف الأطلسي، وليس هناك ما يؤكد على قدرة ثابتة ومضمونة على تحاشي التصادم في أي حين.

وإذ يقوم كل فريق في درس خطواته ومخططاته وإطار وحجم تحركاته المقبلة، يود كثيرون من أصحاب النظرة الثاقبة إلى الأمور في مستوياتها السياسية والتاريخية، أخذ العبر الحكيمة منها، لعلها في ذلك تقلل من أحجام المآسي الحالية والمقبلة.

كل ذلك يتوجه أول ما يتوجه إلى النظام السوري القابع رئيسه في قصر الرئاسة قيد «الحبس» وما يشبه الإقامة الجبرية، يعادي شعبه بأغلبيته الساحقة وينزل به صنوف التدمير والتهجير والإبادة الجماعية، بما لم يسبق أن ووجه به شعب حتى من عدوه، وعلى سبيل المقارنة، إسرائيل عند نشأتها طاولت عملية الطرد الجماعي التي مارستها بحق الشعب الفلسطيني، بما يقارب في ذلك الزمان، مليوني لاجئ توزعوا قسراً على مدى العالم العربي وخاصة في لبنان والأردن وسوريا. اليوم، بلغ عدد السوريين الذين أجبروا على النزوح واللجوء نتيجة الظروف القائمة مليوناً ونصف المليون نازح إلى لبنان وحده دون أن نذكر ملايين النازحين اللاجئين إلى تركيا والأردن وبعض البلاد العربية والغربية الأخرى.

هذا الظلم الجماعي بحق الشعب السوري، مهما طال، فهو إلى زوال، وإن طلب النجدة من بلاد قريبة وبعيدة هو خير ظاهرة واضحة ومعبرة تدل اليوم على وشوك الإنهيار، الذي لم تعد تنفع معه عمليات الإسعاف والإنعاش كائناً ما كان مصدرها، فتوالت عمليات الإنقاذ والنجدة، وصولاً في ذلك إلى عملية التدخل الروسي الذي اتضح بالنتيجة أنه عملية غزو واحتلال.

عودة إلى عملية وضع اليد الإيرانية على سوريا التي سبقت عملية الغزو الروسي: إذا كان من تذكير يجب أن يوجه إلى إيران، فهو ذلك المتعلق بطموحاتها ومخططاتها المنتقاة من تاريخ فارسي طويل مع العالم العربي والإسلامي وقد استقر مؤخراً على إعلان واضح لمخططاتها العدائية تجاه العالم العربي. لقد سبق لإيران أن مرت بوضعية قاسية من خلال حروبها في العراق، وحرب اليمن التي تتولاها السعودية والمقاومة الشعبية اليمنية صوناً من التهامها من إيران وتوابعها في الداخل اليمني. وإيران لم تكن ناجحة بالنتيجة في العراق، حيث لم يفلح النظام العراقي بطبعته الجديدة المضمخة بالصمغ الإيراني في وضع الحد أمام تمدد داعش وتجذرها في الأرض العراقية، وهناك شبه إجماع على أن داعش هي في النتيجة صنيعة العدائيات القاسية التي نشأت من خلال الظلم والتهميش الذي طاول العراقيين من قبل الحكم العراقي بطبعته القديمة برئاسة المالكي. وعليه، إن الطموحات الإيرانية ومطامعها بالعالم العربي هي مخالفة للمنطق ولقدرات إيران ووضعيتها المذهبية وسط غالبيات إسلامية سنية كاسحة منتشرة على مدى مجمل العالم الإسلامي، وقد بدأ التحاسب مع إيران، على جموحها المؤسف بعدة طرق وعدة أساليب بدأت آثارها تظهر تدريجياً في ساحات العالم العربي الساخنة، حتى عملية الغزو الروسي لسوريا فهي ليست في صالح طموحاتها وأطماعها سواء على المستوى القريب أو البعيد.

أما الولايات المتحدة، فهي اليوم غارقة في سياسة أوباما المتخاذلة والتائهة بين جملة من السياسات المتناقضة التي لا ترسو على برّ، وها هو هذا الرئيس الذي يحلم بأن يرتفع اسمه إلى مستوى المخلّدين بين الرؤساء الأميركيين، يغرق نفسه ورئاسته ويغرق معه بلاده ومرتبتها الأولى بين الأمم، لتصبح بلداً مختبئاً في الصفوف الخلفية، «يطحش» عليه الكثيرون، وفي طليعتهم روسيا، وتربكه إلى حد الشلل قوى أصغر منه بكثير من بينها سوريا والوضع السوري، وهو يتملص من هذه التحديات بانكفاءات غير مسبوقة، ممرغاً سمعة الولايات المتحدة وهيبتها في العالم، بكثير من أوحال الإنتقادات اللاذعة والتهم التراجعية.

ويتوقف المحذرون أخيراً أمام روسيا وإطلاقها العنان لنفسها في هذا المحيط الهائج المائج. يكفينا في هذا المجال تذكير موسكو بالحرب في أفغانستان وقساوة النتائج المادية والمعنوية التي خرجت بها منها بهزيمة لطخت غرورها ومقدرتها، وها هي اليوم أمام أفغانستان جديدة تسمّى سوريا، وهي إن تضمنت داعشيين انقضّوا على سوريا والعراق من باب التملّص الأميركي والجموح الإيراني والفساد المالكي، فإن المقاتلين السوريين الأساسيين هم ثوار وطنيون يمثلون غالبية الشعب السوري الكاسحة، وأمثالهم يمثلون الأغلبية العربية والإسلامية الكاسحة في العالم كله، وإن الروس يدخلون في مرحلة من العداء العميق مع العالمين العربي والإسلامي، مدعومين بدعم مستغرب من قبل الكنيسة الروسية التي اعتبرت الحرب الروسية في سوريا حرباً مقدسة، متناسية أن طرح هذا الأمر على هذا المستوى الديني المرفوض، بات يشكل أخطاراً فادحة على مستوى العالم كله، بما فيه، احتمالات إرتدادية على المستوى الروسي الداخلي.

هل يتذكر الروس والأميركيون والإيرانيون ذلك كله… في مطلق الأحوال، ذكّر… إن نفعت الذكرى، ونحن بانتظار انقشاعات المستنقع السوري والتطورات المبهمة والمهتزة والخطيرة، التي تنتظر الرّوس في الساحة السورية الحافلة بالأشراك والمطبات والتطورات المختلفة.