لا يوجد بيننا لبناني واحد إلا ويشعر بأن «غول» شهر أيلول فاغراً فاه لابتلاعه، المدارس الطامّة الكبرى لا مهرب من زيادة الأقساط، ولاحقاً زيادة أسعار الكتب وزيادة أسعار القرطاسية يتبعها الأوتوكار لا يوجد لبناني واحد إلا و»عايش عأعصابو» من أين سيستطيع أن يؤمّن كلّ هذه المصاريف مع التنبيه أن الغالبيّة منهم لن يلحقها من سلسلة الرتب والرواتب مبالغ تُذكر والتضخم والغلاء المعيشي الذي نعاني منه يلتهم كل ما نملك ويتركنا على حافّة تسوّل المساعدات!
لا أريد الحديث في جلسة مساءلة الحكومة أمام مجلس النواب ولا خطابات الوزراء ولا أحاديث الفساد التي يجب أن تأخذ طريقها إلى القضاء، وإلا فليخضع للمقاضاة كلّ من يُسمّم الفضاء اللبناني بفساد من دون أدلّة، المواطن اللبناني مطحون ومسحوق، أمعنت هذه البلاد في ذلّه وهدر كرامته، بعيداً عن هذه الطاحونة الشريرة، هلّت علينا بالأمس غرّة شهر ذي الحجّة، ودخلنا في «ليالٍ عشر» ليس مثلهنّ في الدنيا، هي إجازة نأخذها لمصلحة الروح التي تُحتضر في أقفاص البدن، أعطانا الله تعالى هذه العشرة وأقسم بها في القرآن الكريم قائلاً: }وَالْفَجْر ولَيَالٍ عَشْرٍ{، والنبي صلوات الله عليه وآله وصحبه شهد لهذه العشرة بأنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، وحثَّ فيها على العمل الصالح، وعلى بعض العبادات، فما الذي يمنعنا جميعاً أن ندخل في روحانية هذه الأيام المباركة، أشدّ ما نحتاج إليه سكينة الروح، لننخرط بعدها في دوامة هذا البلد المتعب!
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد. وهذه العشر من فضائلها أنها من جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام فقال تعالى: }وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة{ [سورة الأعراف/142]. وفي سنن الدارمي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجراً من خير تعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل، قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل. قال: إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.
اللبنانيون بجميع طوائفهم محتاجون لإجازة روحية تعنيهم على أيلول وكلّ مصاعبه الماديّة، ومن واجبنا أن نلفت الجميع ليستفيدوا من هذه الليال العشر، مسيحيين ومسلمين فإذا انشغل المسلم بالتسبيح والتمجيد والتحميد والتهليل والتكبير، فلينشغل المسيحي بالتقديس، علّ فضاء لبنان كلّه يصبح تسابيح وتقديسات تزيح عن كاهلنا هذه الأثقال التي نشعر بها على أكتافنا ولا نراها ظاهرة للعيان.
ومن العبادات المستحبة فى هذه الأيام لمن أراد أن يلتمس نوراً لروحه وقلبه ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر ـ الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم، الإكثار من صلاة النوافل لكونها من أفضل القُربات إلى الله تعالى، الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية، الصيام لكونه من أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها، قيام الليل لكونه من العبادات التي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على المُحافظة عليها من غير إيجاب.
نحن بحاجة لفسحة نور تطهّر قلوبنا وأرواحنا وتعيننا على الزمن الرديء الوقح الذي نعافر فيه لنحافظ على ما صمد معنا من قيمنا وإيماننا…