IMLebanon

وللإرهاب شركاء

لا نعرف بعد ما هو الإسلام الصحيح وما هو الإسلام غير الصحيح بعد كل هذا المدى الزمني الطويل، ولن تجيب عن هذا السؤال مؤتمرات وأبحاث ومناظرات وفتاوى للفقهاء والمرجعيات حتى لو أطلقنا العنان لنظرية «مقاصد الشريعة» وما كانت في لحظة تاريخية قريبة تعني الحرية والعدل والكرامة ورفاه الإنسان.

هذه الإشكالية يعالجها علماء الدين والمؤسسات الدينية طبعاً وفق معايير وقواعد معينة ولكنها لم تكن يوماً مستقلة عن تطور الاجتماع البشري ولا عن السلطة السياسية التي كان لها دورها المقرر في معظم الأحيان، وما بات يعرف بالفقه السلطاني.

إذا انطلقنا من الواقع التاريخي القريب أي القرن العشرين فسنجد تبايناً كبيراً في علاقة الدين بالسلطة والمجتمع ليس فقط على مستوى اختلاف المذاهب التي انطبعت بها بعض الدول بل على مستوى دور الثقافة الدينية والمؤسسات في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كان هناك نوع من «القسر» أو الضغط أحياناً لتنحية الحركات الدينية التي حملت مشاريع سياسية لكن المجتمع نفسه كان يتطور خارج الرهاب الديني ويمارس التدين الشعبي بالمعاني الأكثر قرباً من قيم العصر. علينا فقط التذكير بكل الفكر الإصلاحي النهضوي الذي قاده علماء كبار وحاول ان يلائم بين الإسلام وأوروبا إلى درجة ان أصبح هذا التفكير سمة أساسية وصفت بأنها توفيقية في مجال الاقتباس عن الغرب عناصر قوته، ووجد هؤلاء العلماء في الإسلام شورى وبالتالي ديموقراطية وحرية، وبالتالي رفضا لأنظمة الاستبداد، ووصل بهم الأمر الى الحديث عن اشتراكية إسلامية. وبالفعل حين كانت العروبة محور المشروع السياسي لتحرر العرب وتقدمهم أصبح الإسلام يقرأ كأنه «ثقافة قومية» عند العديد من المفكرين والقادة الوطنيين. لم تكتمل طبعاً هذه «العلمنة» السياسية للدولة العربية ولا حصل ذاك التطور العميق في إنتاج نموذج للمصالحة بين ثقافة الشعوب هذه والدولة. وفي مكان ما أصبحت الدولة العربية الحديثة ناقصة الشرعية للعديد من الأسباب واحد منها انها نموذج غريب عن تفكير ديني مشوش ومضطرب عملت عليه الحركات السياسية المعارضة ذات الطابع الشعبي واشتغل عليه إسلام النفط السلفي في مواجهة «التيارات القومية والعلمانية واليسارية الهدّامة» وتولاه الغرب كأحد العناصر الفعّالة في مناهضة كل مشروع التقدم العربي.

في مواجهة «السلفية الجهادية» فرض العنوان العسكري والأمني نفسه وسيلة من وسائل المعالجة بسبب الفوضى الضاربة في المنطقة وانهيار الدول التي كانت عنواناً لهذا التناقض المركب والمعقد بين تطلعات شعوبها وسياساتها. في هذا التصادم يتقوى الشعور لدى الجمهور في الترابط العضوي بين الأنظمة القائمة ومراكز الهيمنة الغربية حيث يتعاون الطرفان في جبهة واحدة على قمع الشعوب من دون بدائل وخيارات سياسية واجتماعية وثقافية أخرى. هذا المنحى من المواجهة لا أفق له في معالجة مشكلات من النوع المرتبط بقضايا إيمانية تصل إلى حد القداسة التي ترتبط مصيرياً بها بعض الجماعات.

فالحرب طويلة الأمد التي يبشرنا بها الغرب على السلفية الجهادية، وهي كذلك، من دون معالجات سياسية لقضايا المظلومية التي ينال العرب والمسلمون منها الكثير هي وصفة لفوضى لن تقوى على ضبطها آلة الحرب مهما عظمت، ولن يكون فيها أي مكان لحوار ومصالحة واستقرار. والخشية الحقيقية هي أنها توقظ هذا النوع من صراع الهويات ومن التدمير الذاتي لمكتسبات الحضارة المعاصرة. فلا معنى، إذاً، للتقديرات السياسية عن المدى الذي يصل اليه هذا الحريق وإلى أي بلد عربي أو إسلامي أو غير ذلك، لأنه وباء عابر لكل الحدود ويحتاج إلى يقظة عالمية من نوع آخر عن ذاك التحالف غير المقدس تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وطبعاً ليقظة من دول مهما راوغت أو هادنت أو ساومت أو ادعت التمايز أو حاولت تجنيب نفسها هذه الكأس من أجل معالجة الفوضى السياسية ووقف النزاعات المحلية والإقليمية كي تتوفر البيئة لتعاون حقيقي وصادق في رد هذه التحديات. ولا ننسى أن للإرهاب شركاء أو أنداداً لم ينشأ من دونهم ولا تقوم له قائمة إلا على فشلهم في تدبير أمور شعوبهم والعالم.