بمقدار ما تسعفنا القدرة على فهم المقلب المتطور نحو مزيد من التعقيدات السياسية الداخلية يمكننا ان نستخلص من الجولة الحارة التي بدأت مع اعلان العماد ميشال عون “التحجير” على مجلس الوزراء تحت وطأة شروط مستحيلة انه لن يبقى هناك الا مسلك وحيد هو الحوار الجاري في مجلس النواب، على غموضه وتعقيده ايضا. ربما لا يملك احد الا التسليم ببقاء هذه القناة مفتوحة ما دامت القوى المناهضة للعماد عون وحليفه “حزب الله” لا تملك القدرة على الحد من نجاحهما في إصابة الحكومة بالسكتة الدماغية على مشارف مرحلة تنذر بالانهيارات العميمة. ولعلنا لا ننفي سوء الظن المفرط في ان المقصود استكمال دورة الشلل الى آخر حلقاتها مع تحويل الحكومة “هيكل” تصريف اعمال واقعيا، ومن ثم استحداث ضربة أخرى غداة افتتاح العقد العادي الثاني لمجلس النواب بما يمدد الشلل التشريعي ايضا، وهكذا تقيم الجمهورية “الاحتفال” الناجز بتوازن التعطيل والشلل على وقع أنشودة التسبيح بالحوار الباقي.
لا نملك هنا الا استماحة روح الزعيم الطيب “الآدمي” الياس سكاف الغفران ان قلنا ان جمهوريتنا المزهوقة الروح يجري تشييعها على الطريقة اياها التي جرت عليها جنازة هذا الزعيم البقاعي الذي شعرنا برحيله ان صورة أصالة نادرة انتزعت من لبنان. كان الحزن حقيقيا عارما ولكنه لم يقو على منع تفجر جاهلية ولا أبشع في أوسع عراضة مسلحة أمطرت البقاع بترسانات الرصاص.
لن يبقى من مؤسسات الجمهورية بعد الآن سوى ذكرى وبالكاد يتجرأ احدهم بالسؤال ماذا اعددتم للبنانيين الموعودين بذعر الانهيارات؟ يقال ان في جلسات الحوار السابقة كتمت معلومات على جانب من الخطورة القصوى حيال هبوط تصنيف لبنان دوليا. وفي الايام الاخيرة ايضا طلعت تصنيفات تدرج لبنان في قائمة الدول الثلاث أو الأربع الاول الاكثر مديونية في العالم. ترانا نقف بفزع حقيقي ليس امام هذه الحقائق فقط وانما امام سياسات بهذا العمى الخطر والجارف الذي لا يقيم اعتبارا للسقوط الكبير. لم يعد للحوار معنى بعدما بات كدراجات هوائية مثبتة في الارض. ولا نخال لبنانيا يتملكه وهم في وظيفة حوار يخرج منه المتحاورون كما دخلوا الى حدود إصابة آذان اللبنانيين بالصمم بإزاء هذه العملية الهيكلية الشكلية. ومع ذلك ترانا سنتنبه اكثر بعد اليوم الى ان هذا المسعى الحواري سيتحول فعلا “المؤسسة” التي ستختصر المؤسسات ولا سيما منها الحكومة والبرلمان، سواء قبل من قبل طوعا او رفض من رفض قسرا. انها نهاية مسار دراماتيكي لجمهورية نازعت الفراغ المديد وعصت عليها وسائل تطويع التعطيل. فأبشروا بالمؤسسة الوحيدة الباقية، ولنا ولكم من بعدها طول البقاء.