أحياناً يودُّ الكاتب أو المحلل أن يستعين بما يمكن وصفه ب كلمة اليوم التي تكون مأخوذة من موقف سياسي أو أكاديمي أو ناشط، ليعزِّز بها حجةً أو منطقاً.
في هذا السياق، لو تمَّ إعتماد هذا المنحى لكانت كلمة اليوم، لهذه المقالة:
لم أرفع العشرة بعد.
وهذه الكلمة أطلقها وزير البيئة المُطابِق وليس الرسمي، أكرم شهيِّب، إثر خلية الإجتماعات التي إنعقدت بين السراي وعين التينة، في محاولة للخروج من معضلة النفايات.
أكرم شهيِّب لا يريد أن يستسلم، لذا هو قال لم أرفع العشرة، ورفع العشرة في المعارك يعني الإستسلام والهزيمة، وأكرم شهيب لا يعتبر نفسه أنه هُزِم بل لا زال يحاول.
ولكن في مقابل صمود الوزير المطابِق الذي لن يرفع العشرة، ماذا عن الشعب المطابِق الذي ما زال يعاني من نفايات الإهمال والتلهي والدلع وعدم المسؤولية والتهرُّب من حمل المهام لدى المسؤولين؟
هذا الشعب لم يرفع العشرة فحسب بل رفع العشرين والمئة ولم يعد قادراً على الصمود، كل محاولات إفتعال الصمود باءت بالفشل، فكيف يصمد؟
وأين ومتى؟
إذا صحا الطقس يختنق المواطن بدخان حرائق النفايات.
إذا أمطرت يغرق المواطن بمياه الأمطار ويسبح جنباً إلى جنب مع أكوام النفايات.
ففي هاتين الحالتين، كيف له ألا يستسلِم؟
كيف له ألا يرفع العشرة؟
يحاول المواطن أن يكون غالباً لكنه مغلوبٌ على أمره!
فهل من قهرٍ أكثر من هذا القهر أن ينتصر اللبنانيّ في الحروب المتعاقبة عليه وينهزم أمام النفايات؟
وكأنَّ اللبنانيّ المقيم لا يكفيه الغرق بالنفايات والإستسلام في معركته معها، حتى يأتيه الإبتزاز براتبه وهل من بهدلة أكثر من هذه البهدلة؟، فكل آخر شهر تبدأ نغمة أنَّ الرواتب غير مؤمنة وأنَّ التغطية القانونية لصرف الرواتب غير متوافرة، وأنَّ نحو مئة ألف مواطن في الأسلاك العسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة، لن تصل إليهم رواتبهم!
لماذا تهبيط الحيطان؟
ولماذا التمترس وراء الناس لتحقيق مكاسب سياسية؟
إنَّ رواتب العسكريين حقٌّ لهم وليست منَّةً منكم، فلا تتلاعبوا بما هو حق لأنَّ هذا التلاعب سيفٌ ذو حدَّين، ويكشف البلد أمنياً وعسكرياً وربما سياسياً.
لا، لن يستسلم اللبناني لأهوائكم، هو يقوم بواجباته تجاه وطنه على أكمل وجه، فماذا أنتم فاعلون في المقابل؟
أنتم ملزمون بعقد جلسة لمجلس الوزراء للبت في معضلة النفايات وتأمين الرواتب، كما أنكم ملزمون بعقد جلسة لمجلس النواب للقيام بواجباتكم في التشريع سواء سميتموه تشريع الضرورة أو ضرورة التشريع فالناس لا تبالي بتلاعبكم بالكلام أو اللعب على الكلام، لأنه يكفيها ما قمتم به من لعبٍ في حقِّ المواطن.