IMLebanon

… ويتحدثون عن بناء الدولة؟

 

لا يكاد يخلو أي بيان انتخابي لأرباب الطبقة الحاكمة، منذ اتفاق الطائف الذي وضع قبل أكثر من ربع قرن، من عبارات التنديد بسياسة الدولة الإنفاقية التي أدت إلى تفاقم الدين العام واقترابه من سقف المائة مليار دولار، وإعلان الحرب على الفساد والمفسدين وتطهير الدولة من هذا الوباء المستشري والمعشش في كل دوائرها ومرافقها العامة. هكذا بكل وقاحة وانعدام الحياء يتبارون في ما بينهم في وسائل الإعلام، وفي كل المنابر القادرين على تسخيرها لهم، من دون أن يرف لهم جفن، بقدر ما يستخفون بذاكرة الشعب اللبناني الذي يعاني بأكثريته الساحقة من العوز والفقر وانعدام فرص العمل إلى درجة تكاد تتخطى الخطوط الحمر.

ولا يستحي هؤلاء الأرباب عندما يتحدثون عن العفة والنزاهة، ونظافة الكف والشفافية، في الوقت الذي يُدركون فيه تماماً، وبحكم امتلاكهم للسلطة ولكل مقدرات البلاد، انهم هم وحدهم دون سواهم المسؤولون عمّا آلت إليه البلاد من إهدار للمال العام، وسمسرات «على عينك يا تاجر»، ومحاصصات وما إلى ذلك من كل أساليب الفساد والإفساد التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم من انهيار اقتصادي واجتماعي وأخلاقي لا مثيل له في العالم حتى في الدول التي يسمونها متخلفة أو العالم الثالث.

هم يعتقدون في قرارة أنفسهم انهم يضحكون على عقول اللبنانيين، عندما يرفعون شعارات محاربة الفساد والشفافية والنزاهة وانتظام مؤسسات الدولة، ووقف الهدر، وسرقة المال العام على حساب حقوق اللبنانيين البديهية، وبالأولى حقهم في أن ينعموا بحياة كريمة في ظـل دولة صالحة يديرها حكام صالحون، لا حكام سماسرة يلهثون وراء الكسب الحرام، بصرف النظر عن الوسائل التي يستخدمونها لتحقيق هذه الأهداف.

والأنكى من كل ذلك ان أرباب الطبقة التي تربعت على عرش السلطة منذ ما يزيد عن الربع قرن، حتى لا نقول أكثر من ذلك بكثير، لا تستحي من التبجّح بإنجازاتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية وتقدّم نفسها على انها النموذج الاسمى والأعلى والأفضل لتولي السلطة وتحقيق دولة العدالة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص بين كل الشعب اللبناني، وتطلب أو تفرض على الشعب اللبناني بحكم القوانين الهجينة التي تسنها أن يصوت على إعادة بقائها، على رأس السلطة.

وعندما نقول أرباب الطبقة الحاكمة لا نستثني أحداً من هؤلاء الذين يملأون الساحات العامة والطرقات والشوارع، في كل لبنان، باليافطات التي تتحدث عن نزاهتهم واستقامتهم وشفافيتهم، ذلك لأنهم جميعاً شركاء في سرقة المال العام، وفي انتشار الفساد وتعششه في كل زاوية من زوايا الدوائر الرسمية، كما انهم جميعهم شركاء في تعطيل المؤسسات الرقابية التي تشكّلت في أوائل الستينات لتكون القاعدة الأساسية لبناء الدولة العصرية، ولا يُمكن لأي أحد منهم الادعاء بأنه بريء لأنه شارك في الحكم منذ ما بعد اتفاق الطائف ولا يزال حتى الآن في سدة الحكم، مشاركاً في كل موبقاته التي أوصلت اللبنانيين إلى ما هم عليه الآن من فقر وعوز وفاقة وحوّلت الدولة إلى مزرعة، بل إلى عدّة مزارع يستثمرونها بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية، من دون أي اعتبار لحقوق ومصالح شعوب هذه المزارع، فعن أي شفافية وعن أي دولة يتحدثون، وأي وعود يطلقون، وهم الذين تسلطوا على الدولة منذ عشرات السنين، وسرقوا كل مواردها وزرعوا البطالة والعوز والفقر والدين العام في كل زاوية حتى انسدت كل آفاق الأمل أمام اللبنانيين، وضاقت بهم سبل الحياة، بما لا سابق له في العالم كلّه.