IMLebanon

.. وتعطلت

 

ولا مرّة كانت اللغة عديمة الجدوى مثلما هي الآن. وفي الوقت نفسه، فإن هذه اللغة، ذاتها، قبل تفسيراتها وتأويلاتها ومذاهبها وفقهها، هي المحرك العصبي الأول لمجمل المعارك الدائرة في سياق الحرب الفتنوية الاسلامية الكبرى.

كأن الاصطفاف اكتمل، ووصل الى ذراه. وتعطلت معه النواحي الاستطرادية للحرب حتى إضمحلت او تكاد. وتلك النواحي تتصل باللغة التبريرية لتعطّل اللغة! وضمور ملكة الكلام وتراجع مفردة الحوار والتلاقح الفكري، العنيف والهادئ والناري والبارد. وهذه كلها عدّة بلاغية بيانية تبليغية تتمم سعير النار واشتعال البارود… تتمم وتشرح وتفسّر وتقدم للناس اسباب البلاء ودواعي ازدهار المقابر وشيوع القتل وصيرورته عادياً أليفاً حتى قارب فعل الموت (المفرد) في يومنا، ما أسماه ابن خلدون في يومه، «المُوتَان» حيث المعنى في كثرته وانتشاره!

إكتمل الاصطفاف. وما عاد في بال أحد من أهل البؤس الممانع خصوصاً، أن يُؤدلج عنفه أو يهذّبه أو يبرّره، أو يقف كثيراً أو قليلاً أمام همّ إقناع الغير بوجهة نظره أو وجهة عماه! أو تقديم ما يلزم من دواعي احترام العقل أو تبجيل القيم الخاصة بالانسنة ولو لشرح كيفية و«لماذية» التحوّل الى طقوس التوحّش والإيغال في النفي واستباحة كل حرام ومحرّم.

كأن هؤلاء وصلوا في خلاصة أحكامهم الى افتراض عبثية التبليغ! وفي ذلك وحده يبدون محقّين! حيث أن ضمور اللغة لا يأتي إلاّ من يقظة الجور التام. وابتذال البيان أمام دربكة الميدان. وسطوع التمويه والتزوير بدلاً من الوقائع والحقائق والبيّنات المشعات.. ثم الإكثار من افتراض إمتلاك كل الحق و«ثبوت» كل الباطل عند الآخرين! وهذه مغالاة تقارب واقعة أخذ الناس جرّاً بالسلاسل الى نواحي التبرّم التام، (الكفري) بكل ما يأتي من الآخر حتى لو كانت فيه اشياء من حقائق الدنيا الصافيات الصلبات الصلدات كالصخر الأصمّ!

«حقوق» المتحاربين نسبية بالضرورة. وإلا ما كانت الحروب! كل فريق يقول ويقوّل وينطلق في الخلاصة من انه على حق! وذلك يحيل الأمر الى وضع الخناجر في موضع الأقلام والبارود في موقع الحبر! لكن التسوية أيضاً (وخصوصاً وتحديداً) من حقائق العيش وأسرار دوام الخلق. وهي في النتيجة، حتمية وإلا اندثرت الحياة. والتسوية بهذا المعنى تعني، ان لا أحد في هذا الزمان، يمكنه اختصار كلمة الله، أو ادعاء حصرية معرفة خريطة الطريق الواصلة الى الجنّة.. وحصرية ربط «حقه» بالسماء مباشرة! ومصادرة ربّ العباد والعامة وجعله رباّ للخاصة!

.. معظم الحروب الحديثة (أي في القرنين الماضي والحاضر) اندلعت لأسباب كثيرة لكن جذرها واحد يتصل بالمصالح ذات البعد الاقتصادي إلا حروب الفتنة الاسلامية الكبرى الراهنة مثل الأولى، كانت اللغة في أساسها، والكلمة في عناوينها! وبها وحدها اكتمل الاعجاز: الحرب تعني ضمور اللغة، لكن اللغة ذاتها هي أساس الحرب!

.. وتعطّلت لغة الكلام!