لا تتسع ظروف المواجهة الامنية والعسكرية المفتوحة في لبنان وعلى حدوده الشرقية مع سوريا لترف الاغراق طويلاً في النوم على حرير النيات الحسنة وحدها التي برزت في الفترة الاخيرة كحافز اساسي للتحصين الامني ضد الاختراقات الارهابية . واذا كانت السيطرة الشرعية على مربع سجن رومية وتلك الغرفة العملانية التي نسجت حولها مرويات رفعت المبنى “ب” الى شهرة فاقت شهرة سجن الكاتراز الاسطوري في النجومية شكلت فعلاً الانجاز الباهر الثاني بعد خطة الجيش في طرابلس، فلا نظن ان احداً نام عن هذا الانجاز ملء الجفون ليس لقصور محتمل في الاداء الامني والعسكري الذي اثبت جاهزية عالية للتطور واستخلاص الدروس من الضربات بل لتشكيك مبرر في القرار السياسي حتى ثبوت العكس.
بوضوح تام لا يمكن ضمان أداء امني صلب ومتواصل وتصاعدي كما تمليه ظروف المواجهة القسرية المفروضة على لبنان، فيما يرتع مجلس الوزراء بمثل الحال التي يتمادى فيها قرار يحتاج في كل صغيرة وكبيرة الى 24 رئيسا للجمهورية بالوكالة الشاذة التي اسقطها عليهم عصر الفراغ الرئاسي. ولا تقوم هذه المعادلة من تنظير كلامي مترف بل من واقع اثبته قرار اتخذه وزير الداخلية في توقيت خاطف لعملية سجن رومية، الذي لو خضع لآليات كلاسيكية عبر “دورة العروس” على اهل العريس والعروس لكان المبنى “ب” لا يزال ينفث حتى الآن توجيهات الارهاب المعمّد بدماء جبل محسن وغيره من المناطق. حتماً العامل الامني بما يقتضيه من سرية مطبقة ساعد الوزير المعني هنا على التصرف واتخاذ قرار التوقيت الحاسم في اللحظة الملائمة الحاسمة. ولكن ماذا عن ملفات اخرى حيوية ربما اكثر من مجالات الامن تقبع في الادراج، لأن آفة الاجماع المفروض تتحكم بقرارات مجلس الوزراء “الرئاسي” وتمنع بت اي ملف لا يتوافر له عامل الاجماع؟ وماذا لو طرأت تطورات غير محسوبة في الأمن نفسه غداً واملت قرارات فورية حاسمة ولم يتوافر لها الاجماع؟ ثم الاهم ماذا لو لم يصل الحوار الثنائي بين تيار “المستقبل” و “حزب الله” الى تفاهمات عريضة واسعة حول خطوات أكثر إلحاحاً في الفترة المقبلة تتصل “بحصة” الحزب تحديداً من التنازلات الامنية المطلوبة في مناطق معينة وسط اشتداد الحاجة الى تبديل جذري في الطابع الامني الذي يسود هذه المناطق؟
نقول ذلك لا لنشكك في نيات المتحاورين بما من شأنه تحصين الانجازات الامنية، بل من منطلق استهانة خطيرة بهذا الترف المتمادي في آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء والمضي في الشواذ كأنه العرف الجديد الذي استكان عنده الجميع، الا اذا كان القصد تخديرنا ببديل من رئاسة منسية. ولعل الخشية الاكبر هنا ان نجاحاً باهراً بدأ يتحقق على هذا المسار ايضاً!