تُستخدم المواد المُخدّرة بمجمل انواعها في عمليات التخدير الطبّي بهدف تمرير واجراء عمليات جراحية مؤلمة انقاذاً لحياة المخلوق الذي هو بحاجة الى عملية، أكان انساناً او حيواناً، فيكون للمخدّر الدور الاساسي لإتمام العملية الجراحية وإنجاحها ، فإجراؤها لا يتم الا بتهريبها تحت تأثير المُخدّر، ولذا فلا تخدير من دون مخدّر ولا عمليات من دون تخدير، وأي تعاطٍ بالمواد المُخدّرة خارج الاطار الطبّي والعلمي هو خروج على القوانين كونه يهدف لتهريب امور استغلالية وجرمية. فآفتا المخدرات والتهريب متلازمتان لا تفترقان، فحيث هناك أسواق مخدرات هناك ايضاً مهرّبون، وحيث هناك جرائم تهريب منظّمة فهناك حامون لها ومستفيدون من اموالها. وفي الحالة اللبنانية، من يقوم بتخدير الشعب ويستفيد من التهريب هو المحور ذاته “الممانعة” الذي يهدف من تخدير الشعب الى تجنّب انتفاضته عليه دفاعاً عن كرامته وحرّيته، ويسعى من خلال التهريب الى تمويل اقتصاده غير القانوني والارهابي.
وكما لمادة التخدير أضرار كبيرة على العلاقات بين البشر عند استخدامها في غير مكانها العلمي والطبّي فالتخدير السياسي له الدور الاساسي في ضرب مفهوم المواطنية الصحيحة والانتاجية الوطنية والاستقرار الاجتماعي. وكما لآفة التهريب الاثر المدمّر على الاقتصاد الوطني والامن الداخلي، فلتهريب الصفقات والترتيبات المسؤولية الكبرى في اعاقة حياة المواطنين الوطنية وممارستهم مسؤولياتهم بالمحاسبة وبمتابعة شؤون بلادهم ودولتهم ومعرفة الحقائق.
مواجهة هاتين الآفتين المسؤولتين عن التسبّب بمعظم مصائب الشعب اللبناني لم تعد وجهة نظر او خياراً، بل هي واجب وطني يعلو فوق كل الملفّات الاخرى كونه يحمل في طياته صفات الوعي الانساني والوطني والسيادي والاصلاحي ضمناً. امّا التهرّب من المواجهة بحجج تخفيفية وتهدوية فلا يُعتبر امام الواقع الانهياري الذي يعيشه لبنان الا تهاوناً مع المخدّرين ومشاركةً مع المهرّبين.
كفى تخديراً للمواطنين وكفى تهريباً للصفقات وللمحاصصات والتوزيعات السلطوية، كفى تخديراً للمواطنين بطرح الافكار والمبادرات التسلوية، ففي ساحات المواجهات لا تُستخدم منصات الكلام. “كفى” لم تعد تكفي لكفّ يد مجرمي التخدير والتهريب عن لبنان، “كفى” باتت خافتة امام واجب المواجهة المصيرية النيابية السيادية، “كفى” تحوّلت سلبية متمثّلة بالحرد والقرف والمقاطعة والشمولية وقد تنتهي بالانتحار الفكري والاستسلام المذلّ. “كفى”، لكي تكون مشروعا انقاذياً اصلاحياً عليها ان تتبنى مشروع المواجهة الشاملة مع التخدير السياسي والشعبي والتهريب الفسادي والسلطوي، ومعركة تحرير اللبنانيين من محور التخدير والتهريب آتية عاجلاً او آجلاً وعلى يد ابطال رافضين للتسويف بالبقاء في حالة التخدير ومتمسّكين بمعركة المواجهة مع التهريب والتجهيل من اجل الكرامة الانسانية والوطنية. قال يوماً السياسي والكاتب الاميركي بنجامين فرانكلين “عمل جيّد افضل من كلام جيّد”، ولذا فمعارك المواجهة والدفاع عن الوجود والهوية لا تخاض بالخطابات المنمّقة والرنّانة والمراعية للاطراف السياسية الراعية للتخدير وللتهريب.
الانتفاضة الشعبية التي انطلقت عفوياً في تشرين الاول 2019 افرزت اكثرية نيابية رافضة لمشروع الممانعة القابض على السلطة، ولتسويات ربط النزاعات التهدوية، ولكن الاكثرية النيابية الناتجة عن الانتفاضة الشعبية لم تنطلق بعد، وتأجيل المواجهة التي لا بد من حصولها يُخسّر الكتل النيابية المُمثّلة للاكثرية الشعبية اللحظة الحاسمة لسحب لبنان من غرفة التخدير، والتخدير إن طال يقتل المريض، والتهريب ان استمر يقتل الامل في الاصلاح ويُبقي الوطن تحت تأثير العصابات والارهاب. المواجهة بالخطابات والمواقف تتحلّى بالفعالية عندما تتميّز بالوضوح والصدق وتترافق بالعمل القانوني والدستوري والشعبي والسياسي ضد مبالغات السيد حسن نصر الله وتجاوزاته، للقول له بأنه غير مُكلّف من اللبنانيين باعلان الحروب عنهم والموافقة على الاتفاقات غير المباشرة التي يُجريها لبنان مع اسرائيل برضى “ممانعجي”، وللقول لمسؤولي “حزب الله” بأن نظامهم ومعتقداتهم لن تكون عقيدة الدولة اللبنانية وفقهية القوانين والدساتير اللبنانية، وللقول للمنظومة الحاكمة “باسم الممانعة” بأن القضاء الاستنسابي الذي تستخدمه ضد معارضيها ليس سلعةً بيدها ولن يكون السلاح الذي تطلق به النار ضد الناشطين والاحزاب المعارضة ورجال الدين غير الخاضعين لها. الفعالية تكون برفع اليد ضد كل من تسوّل له نفسه قبع القاضي طارق البيطار واستبداله بقضاة البلاط، والضرب بيد من حديد بوجه وزير خارجية قرّر بيع قرارات اممية، اتّخذت يوماً لحفظ سيادة لبنان وامنه وسلامة شعبه، وهي القرارات 1559 و1701 و1680، لصالح تقوية وتحرير وضعية مجرمي محور الممانعة وارهابه الذي عرّض لبنان للكثير من الحروب العبثية الخادمة للمفاوض “الممانعجي” وتسبّب ايضاً بتفجير مرفأ بيروت وبقتل وتدمير وتشريد الآلاف، كل ذلك مقابل نيل مرجعيته الصغيرة المؤمنة بعظمتها وجدارتها وقدرتها على الغدر والكذب والخداع، حيث لُقبت “لعنة شعب ونقمة وطن”، للمكاسب السلطوية والغطاء من الدويلة. بوجه هؤلاء تكون المواجهة الفعالة، وإن لم تكن، او إن كانت شاملة وغير مُحدّدة العوالم والاهداف “فكفى” لم تعد تنفع والفرصة تضيع.
“القوات اللبنانية” اعلنت معركة الشرف ضد جبهة التخدير والتهريب، معركة كشف التسويف تحت تأثير المُخدِّر والاستنزاف تحت تأثير التهريب، فالقرف غير موجود في قاموسها، والحرد لن يتسلّل الى قراراتها، والشمولية ستسقط دائماً عند اسوارها. و”القوات اللبنانية” تدرك تماماً الفرق بين التسويات التخديرية التي تدعّم “الممانعجيين” وبين التفاهمات الوطنية التي تصب لصالح سلطة المؤسسات ومستقبل الشعب والوطن وتؤدي الى وقف التخدير ومحاربة التهريب واستعادة الهوية، و”القوات اللبنانية” تشكّل العمود الفقري لمعركة المواجهة الفعالة ضد جبهة التخدير والتهريب بدءاً من معركة رئاسة الجمهورية، وساحات الشرف واسعة حيث تتّسع لكل الشرفاء “فالشرف ليس حكراً على فئة سياسية ما” كما قال الرئيس الاميركي السابق هربرت هوفر.