Site icon IMLebanon

ليس بالبنج وحده يحيا المريض!

 

جراحة التنويم المغناطيسي في لبنان

 

تمدّدت على سرير أبيض، في غرفة يغلب عليها اللون الأخضر، وبدأ اختصاصي التنويم الإيحائي المغناطيسي بالكلام معها، بصوتٍ خافت، خافت جدا، في جوّ حتى الإبرة إن سقطت أرضا يُسمع صداها، وتدريجياً، رويداً رويداً، دخلت المرأة في حالة من الوعي المتزايد، تجاهلت فيها كلّ شيء، كلّ كلّ شيء، سوى نقطة واحدة، شيء ما، صوت، ضوء، وتر، وبحركة من يده أومأ الإختصاصي في التنويم المغناطيسي الى الإختصاصي في الجراحة النسائية والعقم والتوليد الدكتور جوزف غنيمة بدخول مريضته حالة التنويم المغناطيسي فانطلقت العملية الجراحية.

تقنية الجراحة تحت تأثير التنويم المغناطيسي التي أجراها الدكتور جوزف غنيمة في مستشفى “بيل فو” هي الأولى من نوعها في لبنان. إنها أوّل تدخل طبي لجراحة منظار الرحم تحت التنويم المغناطيسي. فماذا في تفاصيل هكذا عمل جراحي- تنويمي يُثير حشرية الكثيرين ويفيد الكثيرين الكثيرين؟

 

يتحدث الدكتور جوزف غنيمة بلكنة فرنسية شارحاً: “البنج كناية عن عدد من الأدوية، وله جوانب سلبية عدة، لذلك بحث العالم دائما عن أساليب بديلة بينها طريقة الوخز بالإبر المعتمدة كثيرا في الصين وطريقة التنويم المغناطيسي التي طُبّقت في جراحات عدة، وبالتالي الهدف من التنويم المغناطيسي في جراحة ما ليس الإستغناء عن البنج بقدر التخفيف من أضراره، عبر التخفيف من أخذه قدر الإمكان. ويستطرد غنيمه بالقول: لا يمكن إعتماد هذه التقنية في العمليات الكبيرة والطويلة، التي تصل الى خمس ساعات، بل يفترض إختيارها بعناية في عمليات محددة، لا تزيد عن الساعتين، كما يفترض اختيار الأشخاص الذين يمكن إتباع التنويم المغناطيسي معهم بنجاح. لذا يُفترض باختصاصي التنويم المغناطيسي الجلوس قبيل الجراحة مع المريض وطبيب البنج، الذي يكون موجوداً في حال احتاج المريض خلال الجراحة، لسببٍ طارئ، الى تخدير عادي أو شعر بالألم واحتاج الى مسكن. في كل حال، أصبح طبيب التخدير، في دول كثيرة بينها فرنسا، إختصاصياً في التنويم المغناطيسي في أحيانٍ كثيرة”. تبلغ المرأة، التي خضعت الى هذه التقنية في “بيل فو” سن التاسعة والثلاثين. ويقول غنيمه: “التنويم المغناطيسي مناسب جداً في تقنيات جراحية نسائية عدّة بينها عمليات إستئصال التآليل وعملية التخصيب خارج الجسم وإزالة ورم صغير في الصدر لكن لا يجوز استخدام هذه التقنية في جراحة كبيرة في منطقة واسعة مثل البطن”.

 

ويستطرد “إستغرق دخول المريضة تحت تأثير التنويم المغناطيسي نحو ربع ساعة فقط لا غير وبدأ الإجراء الجراحي بإشارة من إختصاصي التخدير إثر تأكده من ذلك. وتكللت العملية بالنجاح، ولم تعانِ المرأة، بعدما استفاقت، من تأثير التخدير السلبي.

 

العالم يتطوّر. الطب يتطور. وتقنية التنويم المغناطيسي في الجراحة أصبحت موضة هذا العصر. ولبنان المتألم من كلّ كلّ شيء، يُحاول جسمه الطبي الإنفتاح على التطورات الطبية والعلاجية والجراحية. هي خطوة تمنحنا بعض الأمل. وبعض الأمل لا بُدّ أن نسأل عن الظروف التي تلي هذا الإجراء الذي يُحرّض الدماغ على التركيز ودخول ما يُشبه الغيبوبة في الشيء الذي تمّ التركيز عليه.

 

هنا، ثمة سؤال آخر يُطرح، هل مستشفياتنا قادرة، في زحمة عدد المرضى الذين ينتظرون دورهم في حجرة العمليات، على انتظار تفاعل المريض مع التنويم المغناطيسي؟

 

لا جواب يشفي. فالبلد الداخل في نفقٍ مظلم يرى ومضات نور وعليه أن يظل يأمل بأن تعمم أوّل حالة من نوعها في التنويم المغناطيسي الجراحي فيه. لكن، في المقابل، يهم أن يعرف المرضى أن هذه التقنية ليست “فذلكة” بل أصبحت ضرورة في كثير من العمليات التي لا تزيد مدتها عن ساعتين سواء كانت جراحة أو علاجاً كيميائياً أو إشعاعياً أو غسيل كلى وتنظير قولون وأخذ خزعات وقسطرة القلب. التنويم المغناطيسي يحدّ من مساوئ البنج وآثاره اللاحقة في العمليات الجراحية كما أنه يقلل كثيرا الآثار الجانبية من غثيان وتعب وآلام بعد العلاج الكيميائي أو الإشعاعي ويساهم في التعافي السريع وفي تجنب الألم والقلق والإكتئاب.

 

لبنان دخل عالم التنويم المغناطيسي في الجراحة، بعد أن بان في العالم في أواخر أربعينات القرن الماضي. في كلِ حال، قال سيغموند فرويد إن تقنية التنويم المغناطيسي ليست إلا نظرية إستحدثها المشعوذون الذين يمشون في الأسواق ويأتون بالبهلوانيات أمام السذج من الناس. هو أخطأ في هذه النظرية التحليلية النفسية بدليل أن الطبّ في كلِّ العالم بات يستعين، حيث أمكن، بها.

 

 

قصّة متري قصّة!

 

إسمه متري، تقريبا في الستين، وهو لا ولن ينسى ما حدث معه قبل ثلاثين عاما حين استلقى على بطنه وحدث ما حدث. فلنترك متري يتحدث عن اليد – المشرط التي لمست ظهره و»فار» الدم وتُمم العمل الجراحي. وفي التفاصيل، أن متري سمع عن رجلٍ هندي يقوم بأعمالٍ خارقة لكن عنصر الشكّ لديه ظلّ أقوى. لم يُصدق. وابتسم ساخراً في وجه من صدّق أن في استطاعة أي شخص القيام بما هو ليس منطقيا لا في الطبّ ولا في العقل.

 

ذات يوم، سافر الى الهند وهناك سمع عن هنديٍّ يقوم بعلاجات «سحرية» غريبة عجيبة. ويوم بدأت معاناة متري مع آلام الظهر وما عاد قادرا على الوقوف. نصحه الأطباء بالنوم على ظهره. نصحه آخرون بعدم حمل أثقال. نصحه سواهم بوجوب الخضوع الى جراحة في الظهر. ويوم اشتدّ الألم استجاب لما رآه من أعمال قام بها المعالج الهندي الذي أتى الى لبنان وعالج أقارب له من دون أن يتقاضى أيّ قرش. قصده عارضا أمامه حالته ويتذكر تماما هو وزوجته ما حصل في أقل من ربع ساعة. طلب منه الهندي الإستلقاء على بطنه. مرّر يده فوق عموده الفقري محدثاً، بلا وجود أي مبضع، جرحاً وتدفق الدم. زوجة متري كادت تغيب عن وعيها لشدة خوفها لكنها صمدت لتعود وتشهد قيام هذا الهندي، بقوة خارقة، بلأم الجرح. ومن يومها ما عاد يشكو متري من أيّ ألم. مضى على هذه الحادثة أكثر من عشرين عاماً. ماذا حدث بالضبط؟ يقسم متري بأنه لم يستطع كلّ هذه المدة أن يعرف لا هو ولا كلّ أقاربه الذين لجأوا الى هذا الهندي كيف يحدث ما يحدث. من هو هذا الهندي؟ ما اسمه؟ « مات. قُتل في الهند بعد أن كان المرضى يقفون على بابه صفوفاً طويلة. هو علاجٌ بالتنويم المغناطيسي؟ ربما وربما لا لكن الثابت أن هناك تقنيات في الطبّ وفي الحياة لا يمكن أن يتخيلها عقل.