Site icon IMLebanon

الغضب والسخرية

ــــ ١ ــــ

بينما تكتب يمكن أن تسقط مدينة، عاصمة، رئاسة، من دون مقاومة لا من الدولة ولا من سكانها.. وأمام جماعات تبدو بدائية. هكذا تتناقل الأخبار سقوط الرئاسة اليمنية في صنعاء أمام الحوثيين.

كيف نرى شعاراً راديكالياً مثل: «كن واقعياً واحلم بالمستحيل»؟ كيف نراه وما عشنا نتصوره مستحيلاً يحدث في أقل من الوقت الذي يحتاجه تسجيل هدف في مباراة كرة قدم؟! كيف نرى المستحيل ونحن عند مفاصل التاريخ، أو تلك اللحظة التي تكاد أن تلتقي عندها الحياة بالموت، أو الانهيار بالبناء، أو الوجود والعدم.

نعيش أحياناً بمشاعر تقترب من العدم، بلاد تذوب كأنها لم تكن، وكيانات مارست جبروتها تنزع عنها قشورها وتقف عارية: ليبيا بعد القذافي هي وحي من سلوكه المثير للسخرية والدهشة، واليمن التي سقطت رئاستها أمس في يد الحوثيين في مهبّ الرياح، بينما علي عبد الله صالح الصانع الأخير للخراب اليمني باقٍ ومستمر ولديه مشاريع، وبينما يسود الترقب حول الردّ المقبل على جريمة إسرائيل في القنيطرة.

بينما كل ذلك يحدث، هل يمكن انتظار الهول العظيم؟ لحظة انفجار المنطقة كلها؟ سقوطها في مدارات «الدول الناعمة» التي توجد كهياكل أو تعلق المطالبات بوجودها كحارس للنهايات التعسة؟

أم أن «المستحيل المحتمل» هو أن تتفكك كل هذه الكيانات تحت ثقلها، ويتبقى مسار لاختيارات أخرى؟

ليس الأمل بمعناه السياسي هنا هو المقصود بالسؤال، ولكن الأمل بما يعنيه من حيوية النَّفَس المقاوم، دفاعاً عن الحياة، وعن إمكاناتها هنا، عن رغبة وجودية في الخروج من مصير التعفن قبل الموت الجماعي.

ــــ 2 ــــ

.. التاريخ يأكل نفسه تقريباً.

فالبطولات القديمة لم يعُد مجالها قابلاً للتفعيل من جديد، كما أن الحلم مرة أخرى بالميادين يؤدي إلى متاهة كابوسية، لأنه لاستكمال ثورات الخروج من العفن لابد من نسيان موجاتها الأولى.. وبعد 4 سنوات من 25 يناير في مصر، فلكي يستكمل طريق التغيير لابد أن يمر بوعي القطيعة مع ما حدث في الـ18 يوماً التي تلت طوفان الميدان.

الرغبة في تكرار «اللحظة الصوفية» العابرة والحنين إلى «أسطورة الميدان»، ستؤدي إلى التعامل السطحي مع «تاريخ» الأربع سنوات، فتعلو مطالب «وحدة الصف» بين الثوار و»الإخوان» بمنطق «أخطأنا في محمد محمود» و «اخطأتم في رابعة»، وعلينا فتح صفحة جديدة، هذا المنطق يعبر عن هشاشة القدرة على التفكير في الثورة، أو إبداع حركة بناء على إدراك أن ما حدث كان نتيجة «صراع سلطوي»، لن ينتهي إلا بقوة جديدة (نسميها كتلة ثالثة /قوة ثالثة) تشكل تياراً قادراً على نقد ذاته بكل ما تمتلكه السخرية من قدرة على تفكيك المقدس، وما يحمله الغضب من قوة في مواجهة الكهنوت السلطوي الذي يتغذى على عفننا الذي نتآلف معه.

«أسطورة الميدان» تصلح الآن مصدراً للإلهام باتجاه طريق جديد، يدافع عن الحياة، وقدرتنا على الخروج من بؤس الكيانات والصيغ القديمة، بقوى اجتماعية جديدة، تحفر طريقها للتفلت من عفن المتصارعين على «السلطوية» المدمرة.

والخطر أنه بعد هزيمة الموجات الأولى من ثورات رفع فيها الطلب على الحرية والعدالة كشروط للحياة الإنسانية، سادت الأوهام بأن الواقعية هي التحالف مع وحش لقتل الآخر… وكانت هذه هي النتيجة التي لم تلق بظلالها فقط على منابع الثورات، بل امتدت إلى دول عاشت على أصداء حركة الأجسام الكبيرة التي خرج بها الناس لإسقاط وحوشها الميتة أكلينيكاً وترفض المغادرة.

الغضب والسخرية… هما أول الطريق للدفاع عن الحياة.