Site icon IMLebanon

غضب

أنظر من حولي إلى مسلسلات القتل والدمار والفساد والفقدان التي تجري هنا وهناك في أرجاء العالم العربي، فأتذكر ما كتبه جون دوناهيو: “على المرء أن يختار انتماءه ويجدده باستمرار”. غالباً ما أشعر أن كل ما نفعله نحن العرب، كل ما نقوله، كل ما ننجزه، نفعله ونقوله وننجزه رغماً عن أنوف بلداننا: على غرار وحش ينبغي لنا طعنه في القلب كي لا يلتهم قطعة جديدة منا كل يوم، الى أن لا يتبقى شيء.

نحن أمام هوّة: هوّة عصبياتنا وقيودنا ومخاوفنا وشكوكنا. هوّة الحدود المفروضة علينا، والحدود التي نفرضها نحن على أنفسنا. هوة المحرّمات المصلتة على أعناقنا، وسلطات القمع وغسل الأدمغة التي تمارَس يوميا على عقولنا وأفكارنا وحرياتنا وحقوقنا، مباشرةً، أو بخبث.

فكّروا معي: هل من المعقول أن تكون الحال لا تزال هي هي اليوم في العالم العربي، هذا إذا تفاءلنا ولم نقل إنها أسوأ؟ هل من المعقول ألاّ يكون قد تغيّر شيء، تقريبا، خلال الأعوام المئة الأخيرة؟

لا يجدي النكران نفعاً، ولا تكتيك لوم الآخرين الذي نطبطب به على حسراتنا. لنقلها عاليا وواضحا: نحن شعوب فاشلة.

اللعنة على هذه الانتماءات الملعونة وعلى استسلامنا لها. اللعنة على هذه الهويات المجرمة، على هذه الجغرافيا القاتلة، على هذه الطوائف المقيتة والانتماءات القبلية العمياء التي تؤلب الانسان ضد اخيه بسبب ولاءات عبثية. حسناً فعل الكاتب اللبناني أمين معلوف بأن كتب عن “الهويات القاتلة”: أحيانا اتساءل كم كنا لنكون نحن العرب (لبنانيين، فلسطينيين، سوريين، عراقيين، الخ…) مختلفين اليوم، لولا هذه الحروب المشؤومة التي عشناها ولما نزل نعيشها: تلك الحروب التي فرضناها نحن، وتلك التي فُرِضت علينا، ولم نتعلّم غلق حساباتنا العالقة معها إلى اليوم بسبب آفتي الإنكار والتكرار. كم كان الإنسان العربي ليكون اليوم اكثر تطوّراً ونجاحاً وسلاماً وتصالحاً مع ذاته، واشدّ تركيزاً على معاركه الخاصة، لو لم يجبر في معظم البلدان على خوض معارك عبثية تلهيه عن الحياة؟

في داخلي، كما في داخل كثيرين اليوم، هنا وهناك في جميع أنحاء العالم العربي، ثمة شيء جبّار وخطير اسمه الغضب. غضب ينمو مثلما تنمو الجبال. غضب مبرَّر وضروري وملحّ.

هذا الغضب هو الصرخة تلك التي لا ينبغي لنا أن نكفّ عن إطلاقها يوماً بعد يوم، لحظة بعد لحظة، كي لا يبتلعنا وحش التخلّف والفساد والامحاء والتغييب.

هذا الغضب هو خلاصنا.