يعيش الدروز في سوريا حالياً هاجس الخوف على المصير بعد أن تابعوا عن قُرب حالات القتل والتنكيل والاغتصاب والتهجير والاضطهاد التي ضربت أقليّات أخرى في بعض الدُول العربيّة في السنوات القليلة الماضية، لا سيّما الأقليّتين المسيحيّة والايزيديّة. والدروز في سوريا كانوا بأغلبيّتهم أقلّه ظاهريّاً، يُعتبرون مُوالين للنظام السوري الحاكم منذ أكثر من أربعة عقود، وهم إنخرطوا في الإدارات العامة للدولة السورية وفي الجيش والأجهزة الأمنيّة الأخرى، طوال هذه المدّة. وعلى الرغم من ميل الدروز التاريخي نحو التمسّك بالحريّة ورفض أيّ نوع من الحُكم الديكتاتوريّ، إلا أنّهم لم ينخرطوا في صفوف المُعارضة السورية إلا بشكل خجول ومحدود، وحاولوا من البداية اللعب على وتر الحياد، لجهة رفض الإلتحاق بالجيش السوري بالتزامن مع رفض دعم المُعارضة. لكن وبعد تنامي نُفوذ الجماعات الإسلاميّة المُتطرّفة وتلك التكفيريّة في الداخل السوري، أحسّت الأقليّة الدرزيّة بتنامي الخطر على مصيرها وعلى وجودها، وزادت من حذرها إزاء التعاطي مع المناطق المحيطة بالقرى والبلدات ذات الأغلبيّة الدرزيّة، بالتزامن مع تنامي عمليّات التسليح الذاتي. واليوم جاءت عمليّة إغتيال الشيخ وحيد بلعوس (معروف بإسم «أبو فهد) لتزيد الوضع الدرزي إحتقاناً في سوريا، والوضع الدرزي إنقساماً في لبنان! فكيف هي الصورة الحالية، وما هي التوقّعات للمُستقبل؟
بحسب أوساط سياسيّة لبنانية مُطلعة إنّ الطائفة الدُرزيّة هي جزء لا يتجزأ على الرغم من إنتشارها في أكثر من دولة في المنطقة، وهي تعيش حالياً مرحلة من الإنقسام الداخلي هي الأعمق منذ عقود، لأنّ الدروز لطالما إشتهروا تاريخيّاً بالتوحّد وبالإلتفاف بعضهم على بعض عند مُواجهة الأخطار. وتابعت هذه الأوساط إنّ الدروز حائرون اليوم من الأسلوب الواجب إتباعه لمواجهة الخطر المُحدق الذي يُطلّ من البوّابة السورية حيث يتركّز القسم الأكبر من أبناء الطائفة الدرزية، أي نحو 700,000 نسمة. فهم من جهة لا يُريدون دعم النظام عسكرياً ويرغبون بالإستقلال عنه، تجنّباً لمُعاداة جزء من الشعب السوري والكثير من الدول العربيّة الداعمة للمعارضة وبحثاً عن حريّة مكبوتة، وهم من جهة أخرى يرفضون دعم الجماعات المُسلّحة التي تُقاتل النظام، لأنّ الكثير منها يؤمن بأفكار تكفيريّة لا تحترم حرّية المُعتقد ولا تعدّدية الدين، وليس سرّاً مثلاً أنّ أحد رموز الجماعات المُتشدّدة وهو «أبو محمد الجولاني» كان دعا الدروز منذ بضعة أشهر إلى ما أسماه «تصحيح أخطاء عقيدتهم».
وقد جاء إغتيال الشيخ بلعوس الذي إشتهر بإنتقاده مراراً النظام السوري، والذي كان له في المقابل دور أساسي في المعارك الميدانية التي وقعت في منطقة «قلب لوزة» مع مُسلّحي «جبهة النصرة»، ليُعمّق الإنقسام الدرزي في الساحتين السوريّة واللبنانيّة. فالنظام سارع إلى إلقاء القبض على شخص يُدعى «وافد أبو ترابة» ونسب إليه وإلى «جبهة النصرة» المسؤولية عن التفجيرين الإرهابيّين اللذين أوقعا عشرات القتلى والجرحى بينهم عدد من «شيوخ الكرامة» بحسب التسميّة التي يُطلقها عليهم المشايخ المُناهضين للنظام السوري. في المُقابل، رفض «شيوخ الكرامة» هذه التهم، واتهموا بدورهم النظام بفبركتها لإخفاء تورّطه في عمليّة إغتيال الشيخ بلعوس. وقد سارع عدد من المشايخ المُؤيّدين للنظام في سوريا إلى العمل على ضبط ردّات الفعل الشعبيّة لأهالي السويداء على جريمة الإغتيال، خوفاً من إنسحاب ما تبقّى من قوّات نظاميّة سوريّة في المنطقة ومحيطها، ما قد يُمهّد الطريق لهجوم مُحتمل من الجماعات المُتطرّفة المُسلّحة. في المقابل، حاول عدد آخر من المشايخ المُؤيّدين لحركة الشيخ بلعوس، إستغلال الموقف والدعوة إلى إستقلال السويداء كلّياً عن النظام.
ولفتت الأوساط السياسيّة اللبنانيّة المُتابعة إلى أنّ إرتدادات هذا الإنقسام السوري الميداني وصلت إلى لبنان، حيث أخذ النائب وليد جنبلاط موقفاً مؤيّداً للحراك الدرزي ضُدّ النظام الذي إتهمه بالوقوف وراء الإغتيال، في مقابل تأييد كل من الوزيرين السابقين طلال أرسلان ووئام وهّاب مواقف مؤيّدة للنظام السوري مُوجّهين أصابع الإتهام بالجريمة إلى الجماعات السوريّة المُعارضة. وتوقّعت هذه الأوساط أن يبقى الوضع الدُرزي في سوريا مُهتزّاً وغير مُستقرّ، باعتبار أنّ التطوّرات العسكرية في المناطق المحيطة بجبل الدروز وبالسويداء مفتوحة على مختلف التطوّرات، مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر يُمكن أن تلحق بالدروز في أيّ لحظة، خاصة وأنّ التظاهرات التي عمّت بعض مناطق السويداء إثر إغتيال الشيخ بلعوس أضعفت أماكن تواجد الجيش السوري في المنطقة. وأضافت الأوساط نفسها أنّ الخشية كبيرة من أن تستغلّ الجماعات المُسلّحة هذه الثغرة للتقدّم نحو قرى وبلدات في السويداء، من دون إستبعاد أن يتساهل الجيش السوري أمام هكذا خطوة، لمنح المُعترضين على وجوده عيّنة عن البديل المُنتظر!
وبالنسبة إلى إرتدادات غضب الدروز في سوريا على الطائفة الدرزيّة في لبنان، توقّعت الأوساط السياسيّة اللبنانيّة المُتابعة أن تبقى حال الإنقسام مُسيطرة على القيادات الدرزيّة وعلى الشارع الدرزي أيضاً، في مزيج بين لعبة «تبادل الأدوار» من جهة، وصراع النفوذ على منطقتي الشوف وعاليه من جهة أخرى، والعلاقة مع النظام السوري من جهة ثالثة. وإستبعدت أن يؤدّي الإنقسام الدرزي إلى أيّ صدامات على الأرض، إن داخل لبنان أو في سوريا، مهما بلغت حال التوتّر على الصعيدين السياسي والإعلامي.
وختمت الأوساط نفسها كلامها بالتشديد على أنّ الطائفة الدُرزيّة تعيش مرحلة عصيبة من تاريخها بدون أدنى شكّ، لكنّها نجحت حتى اليوم في الحفاظ على تواجدها في سوريا، بعكس باقي الأقليّات هناك وفي غيرها من الدول العربيّة، وهذا بحد عينه إنجاز في ظلّ مُستوى الخطر الذي يتهدّد الجميع. وسألت هذه الأوساط: «إلى متى ستبقى وصفة الحياد الفعلي بموازاة الإنقسام النظري داخل الصفّ الدرزي، فاعلة؟ وحدها الأيّام المقبلة كفيلة بالإيجابة على هذا التساؤل…».