في الساعات الاخيرة، برز مشهد ايراني جديد، يعيد تأكيد مسلّمات ايرانية. ما يعني لبنان منها انعكاسها على التجاذب في العلاقة مع السعودية وارتداداتها عليه
أثارت المواقف الأخيرة للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي، ولمرتين متتاليتين، محاذير لبنانية من ان تكون تعقيدات اقليمية قد دخلت على خط الازمة الداخلية، قد تربك مجدداً الوضع الداخلي بعدما حُيِّد لردح من الوقت، نتيجة ترتيبات اقليمية على خط الرياض ــــ طهران.
في المرة الاولى، قال خامنئي إن أي مفاوضات لن تجرى خارج اطار الاتفاق النووي، و»قد قبلنا التفاوض مع الولايات المتحدة حول المسألة النووية لأسباب محددة، ولم نعط اذناً للتفاوض حول مواضيع اخرى، ولن نقوم بذلك». وفي المرة الثانية حذّر، وهنا بيت القصيد، امام الحرس الثوري الايراني «من الاختراق السياسي والثقافي الاميركي».
هذه المواقف أثارت توجس سياسيين لبنانيين، لأنها تأتي في لحظة كان لبنان ينتظر فيها دفعاً في اتجاه اكثر ايجابية على خط العلاقة الايرانية ــــ السعودية وتفعيلها بتشجيع اميركي، ولانها تأتي قبل تصويت الكونغرس الاميركي على الاتفاق النووي، واذ لا ينعى هؤلاء السعي المتقدم على خط العلاقة الثلاثية وتأثيراتها على لبنان، فانهم يأخذون في الاعتبار ان اي مفاوضات «مصيرية» ستشهد حالات مماثلة من شد الحبال ورفع السقوف العالية، لتحصيل المفاوضين اكبر قدر من المكاسب، لكن اشارة خامنئي الى ان المفاوضات لم تشمل مواضيع اخرى تثير ارتياب هؤلاء، لأنها تعني لبنان من ضمن الملفات الاقليمية كسوريا والعراق واليمن، التي تمثّل بالنسبة الى المتابعين اهم ارتدادات الاتفاق النووي.
فبقدر ما تكثر الاشارات الايجابية إلى احتمال الوصول الى ترتيبات ينال لبنان حصة منها، تظهر في المقابل ملامح تشنجات على مستويين: من جانب ايران كتصريحات خامنئي، ورد المتحدثة باسم الخارجية الايرانية مرضية افخم على بيان مجلس التعاون الخليجي واعتبارها ان بعض هذه الدول يشعر بالغضب من تقدم الديبلوماسية الايرانية في الملف النووي. ومن جهة السعودية، عبر استمرار بيان مجلس التعاون في التصويب على تدخل ايران في دول المنطقة، اضافة الى تسلم الرياض المواطن السعودي احمد المغسل، واتجاه السعودية الى اعدام ابن شقيق المعارض الشيخ نمر النمر، فضلا عما يحصل من تجاذب روسي ــــ ايراني حول دعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد، في مقابل محاولة بعض العواصم الغربية تفعيل قضية المرحلة الانتقالية التي يخرج الاسد على اساسها من السلطة. وبحسب هؤلاء، فإن الأداء الايراني في ملفات المنطقة يعطي الانطباع بأن طهران ترتكب حاليا الخطأ الذي سبق ان ارتكبته بعض دول الخليج، في مرحلة من المراحل، باستعجال النصر الاقليمي، سواء عبر القفز فوق نتائج الاتفاق النووي، او حتى بالنسبة الى استخلاص مبكر لمحاولات فتح قنوات اتصال عربية مع الاسد، او طرح شخصيات غربية التعاطي معه لشن حرب على تنظيم «داعش».
والتعامل مع الاتفاق النووي، ومع دخول روسيا على ارض سوريا واعادة تعويم حملات التحالف الغربي ضد «داعش»، على انها نصر مبكر، قد يرتد على علاقة ايران بدول المنطقة، ويزيد من احتمالات المواجهة بينهما. ورغم ان الحديث عن اتصالات مستمرة بين طهران والرياض، قد تترجم بلقاءات على هامش الجمعية العمومية للامم المتحدة، الا ان اسلوب الطرفين اخيرا، يعكس تشنجاً ملموساً، ويترافق مع عودة التصعيد في اليمن وفي العراق بحسب ما تشير تفجيرات أمس.
اما في لبنان، ولأن الوضع الاقليمي يتأرجح يومياً على شاكلة البورصة بين صعود ايجابي وهبوط سلبي للمؤشرات، فان القراءة اللبنانية لا تخفي احتمال ذهاب الوضع الى المزيد من التأزم نتيجة تفاقم التوتر الاقليمي. ففي وقت تكثر فيه العناوين المؤاتية لتشنجات داخلية نتيجة تفرع الازمات الامنية الناتجة من قضية النفايات، ثمة مخاوف من ان يشهد لبنان تصعيداً داخلياً، قد يمهد لبلورة آفاق العلاقة السعودية ــــ الايرانية. ومن المرجح، وفق ذلك، ان يكون ثمة اتجاه حقيقي الى وقف اعمال مجلس الوزراء بعد توقف اعمال طاولة الحوار، ولا سيما ان الاخطاء الداخلية التي ارتكبت كان يمكن ان تجنب البلاد خضات في غنى عنها. وبحسب احد السياسيين فان «اخطاءً بسيطة ارتكبت في ملفات مفصلية، كان يمكن ان تسحب فتيل التصعيد الداخلي وتُبقي الوضع في منأى عن مسار العلاقة الايرانية ــــ السعودية. فاذا نجحت افاد منها واذا فشلت حمى نفسه من عاصفتها».
ما حصل ان القادة اللبنانيين استفادوا من الوقت الضائع لتحقيق مكاسب حزبية او شخصية وآنية، فذهبوا بالبلد الى مواجهات على اكثر من ملف حياتي وامني وسياسي. واستمروا في سياسة النكايات كما حصل منذ عام 2005 حتى اليوم، مطيحين الفرص الاقليمية والدولية التي كان يمكن ان تساهم في حل الازمة. ففي خلاصة الاشهر الاخيرة، اخطاء كثيرة ارتكبت، واي ايجابيات قد تنتج من حوار سعودي ــــ ايراني لن تتمكن من حجب السلبيات التي ارتدت على الحوارات الداخلية وعلاقة الاطراف اللبنانيين ببعضهم بعضاً، (اضافة الى تأثير حركة التجمعات الشعبية ضد السياسين).، لكن تبقى الخطورة في ان يتحول اي تشدد ايراني ــــ سعودي الى استخدام الطرفين اوراقهما، فيكون لأحدهما الرغبة في اطاحة الحكومة. حينها لن يكون من مفر الا العودة الى البحث، وعلى مستوى دولي واقليمي، في انتخابات رئاسة الجمهورية.