IMLebanon

أنقرة تجدّد الرّهان على سقوط الأسد وتعدّ المعارضة لـ «ترميم النظام»

براغماتية تركية في العلاقات مع الإقليم

أنقرة تجدّد الرّهان على سقوط الأسد وتعدّ المعارضة لـ «ترميم النظام»

لن تتأثر العلاقات اللبنانية – التركية سلبا، بالرّغم من شعور مزدوج بالاستياء و «خيبة الأمل» اللذين ألمّا بالمسؤولين الأتراك نتيجة بعض التصريحات اللبنانية والأرمنية في الذكرى المئوية للمجازر الأرمنية، وخصوصا البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين والذي أوجد «شبهاً واهياً» بين تلك الحقبة وقتل «داعش» للمسيحيين المشرقيين اليوم.

وقد جرت اتصالات مع سفير لبنان في تركيا منصور عبد الله سأل فيها المسؤولون الأتراك عن خلفية المواقف التي أطلقها الوزير جبران باسيل عبر ذلك البيان في سابقة غير مألوفة. وكانت هذه المواقف مستغربة جداً من المسؤولين الأتراك، لكنّ أوساط هؤلاء تظهّر بأنهم يعرفون لبنان جيداً، وتعلق أوساط تركية واسعة الاطلاع بقولها: «ندرك جيّدا الخلفيات التي تنطلق منها تصريحات بعض اللبنانيين، لقد عشنا حادثة خطف 4 مواطنين أتراك في عامي 2012 و2013، وقد جهدنا للحفاظ على علاقاتنا مع لبنان وعدم التأثر بحوادث جانبية، ونحن نحمل تقديرا عميقا لرئيسي الحكومة السابق نجيب ميقاتي والحالي تمّام سلام لأنهما قاما ما بوسعهما لحماية وتثبيت العلاقة مع تركيا ببراغماتية وحكمة وعبر اعتماد سياسة النأي بالنفس والفصل بين الملفين اللبناني والسوري، وكل ما جرى أخيرا من تظاهرات وتصريحات لن يؤثّر سلبا على العلاقات بين البلدين».

تركيا وسياسة التوازن الإقليمي

كرّ وفرّ بين سياسة «العصا والجزرة» هو التوصيف الأدقّ للسياسة الخارجيّة التركية الحالية بهدف حماية المصالح الحيوية الاستراتيجية والعلاقات التاريخية وإبعاد أيّ تأثير للتفاصيل الجانبية: يزور الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان السعوديّة مؤيّدا عملية «عاصفة الحزم»، ثمّ يطلق انتقادا ضدّ إيران ليعقد بعدها مؤتمرا صحافيا مشتركا مع الرئيس حسن روحاني متخطيا الاختلاف العميق في الملف السوري. ترفض أنقرة الانخراط في محور سنّي تدعو إليه السعوديّة، لكنّها تشيد بمواقفها في اليمن بالرغم من عدم اقتناعها بجدوى الضربات الجوية التي رفضت قطعا المشاركة فيها.

تدرّب تركيا بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) عناصر ممّا أسمي بـ «المعارضة السورية المعتدلة»، ويزورها قائد «جيش الإسلام» السوري المعارض زهران علّوش، ثمّ تعمل على خطّ الحلّ السياسي للمعارضة التي يرأسها رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» خالد خوجة بالتعاون مع الأردن وقطر.

وتشير أوساط تركية واسعة الاطلاع الى أنّ سياسة تركيا الإقليمية مرتكزة على ثوابت لم تتغيّر: التضامن مع الشعب السوري حيث تستضيف مليوني نازح، بينهم 250 ألفا في مخيّمات، مع حصر النزوح الكثيف عبر الحدود كما فعل لبنان والأردن، ثمّ التعاون في الملفّ السوري مع الدول الإقليمية، في طليعتها السعودية وقطر، ومناقشة «الأفكار الجديدة» التي يطرحها المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا الذي بات يتحدّث عن استراتيجية «تخفيض التصعيد» في أنحاء سوريا برمّتها، والتنسيق مع الولايات المتّحدة الأميركيّة في «تدريب» المعارضة العسكرية وتهيئة تلك السياسية.

أما إيران فالعلاقة معها متعرّجة تاريخيا، حيث اتسمت بالمشاكل في بداية سبعينيات القرن الفائت مرورا بالحروب العراقية، الى مشكلات عدّة طغى عليها «حسّ الجيرة القديمة».

بهذه البراغماتية تقارب الديبلوماسية التركية العلاقة مع طهران، وهي «علاقة ننظر إليها على المدى الطويل ولا تتأثرّ بمشكلات المنطقة». هذا التعاون تظهّر في المؤتمر الصحافي لأردوغان وروحاني وقد أعربا عن استعدادهما للتعاون سويا في اليمن وفي إيجاد حلول لمشكلات المنطقة.

لكنّ التعاون في الملف السوري يبدو ذا جدوى أكبر مع السعودية، إذ تتبنّى أنقرة موقف الرياض عينه من حيث الرفض المطلق للنظام السوري ممثلا بنظام الرئيس بشار الأسد، رافضة بقاءه قطعا.

لا تؤكد أنقرة الأجواء التي ينقلها بعض زوار واشنطن من اللبنانيين عن نيّة بإقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، لكنها لا تنفي هذه الفكرة وهي راعيتها أصلا، وقد طرحها أردوغان مرارا على المسؤولين الأميركيين.

باختصار، تهيئ أنقرة لمعارضة سورية تكون شريكة في المفاوضات السياسية وفي «ترميم النظام» بالتعاون مع قطر، الهدف هو «أن يأخذ المجتمع الدّولي هذه المعارضة على محمل الجدّ وينظر اليها بثقة».

أما تدريب المعارضة العسكرية مع الأميركيين فماض بلا تردد، وهدفه المعلن لغاية اليوم هو محاربة «داعش».

لا تنسيق في الموضوع السوري مع مصر مع اعتراف تركي بأهمية الدور المصري «لأن مصر قوة مهمّة ويجب أن تلعب دورا إيجابيا في هذا المعنى».

لا وساطة في ملفّ العسكريين المخطوفين

لبنانيا، لا تزال أنقرة تنأى بنفسها كلّيا عن ملف العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و «داعش»، وتشير الأوساط التركية الى أنّ المفاوضات التي تجري بين المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم والوسطاء المعنيين في تركيا تخصّ الطرفين بلا أية وساطة لتركيا التي لا تؤثر على مجرى هذه المفاوضات إطلاقاً، بحسب ما تظهر الأوساط التركيّة الواسعة الاطلاع.