وسط الترقب الثقيل لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان الى بيروت، وما يمكن ان يحمله معه هذه المرة من توجهات فرنسية او “خماسية” جديدة لاختراق الجدار السميك لازمة الفراغ الرئاسي، بدا واضحا ان الواقع الداخلي صار عرضة لهشاشة قياسية للتفاعل مع كل هبة ريح كبيرة او صغيرة، داخليا او خارجيا، بحيث تنشغل الساحة بهبات ردود الفعل اكثر من أي تطورات جادة أخرى. ثم تعود البلاد الى دوامة الدوران في الفراغ والانتظار. وإذ برزت امس عاصفة ردود واسعة وحادة حيال البند المتصل بملف النازحين السوريين في لبنان في القرار الأخير الصادر عن البرلمان الأوروبي، وعلى رغم المبررات الواقعية المقلقة التي تسوغ ردود الفعل اللبنانية الرافضة لهذا التوجه الأوروبي، فان ذلك لم يحجب خطورة متصاعدة لاكفاء كل كلام او معالجات حاسمة لقضية الانتقال في السلطة النقدية والمالية العليا التي تقترب من نهاية عدها العكسي في نهاية تموز من دون حسم بعد للمخرج الذي سيعتمد تجنبا لثغرة فراغ إضافية لن يقل خطرها عن خطر الفراغ الرئاسي بل ربما يفوقه ضررا. وما برز من معطيات في الأيام الأخيرة يكشف ان الانقسام الحاد ما زال يتحكم بفترة العد العكسي لنهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اذ بدا لافتا ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يبدي تصلبا كبيرا في رفضه لتسلم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري مسؤولية الحاكم معبرا عن تخوف كبير من حصول أمور ربما يصعب التحكم بها والسيطرة عليها ويجري تحميل تبعاتها لنائب الحاكم ومن يلوذ بهم من طائفته. كما انه لم يعد واردا لدى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي البحث في مخرج تعيين حاكم اصيل لمصرف لبنان بعد الرفض المسيحي الواسع لهذا التعيين كما للتمديد للحاكم الحالي. واذا كان بري يهدف الى دفع بكركي والقوى المسيحية الأساسية الى تغطية تعيين حاكم جديد، فان الامر لم يتبدل بعد اطلاقا، لان هذه القوى لا تزال تتمسك بموقفها من عدم جواز التعيين على يد حكومة تصريف الاعمال وقبل انتخاب رئيس للجمهورية. وإذ جرى تداول امكان انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لبت المخرج الحاسم للازمة، لم يتأكد بعد هذا الاتجاه ويستبعد الاقدام عليه قبل بلورة أي مسلك واضح ستتخذه المشاورات في صدد هذا المأزق المنذر بتداعيات خطيرة.
ولكن المشهد الداخلي بدا امس تحت وطأة العاصفة التي اثارها بيان البرلمان الاوروبي في شأن لبنان والذي لم يطلق تموجات حارة فحسب، بل احدث ما يشبه الازدواجية في التعامل معه. ذلك ان عاصفة الادانات تركزت بقوة على البند الثالث عشر في قرار البرلمان الأوروبي لجهة تناوله ملف النازحين السوريين وما اعتُبِر محاولة لابقائهم في لبنان وصولا الى التحذير من مخطط توطينهم. ولكن جانبا اخر مهما وبارزا في القرار حجبته العاصفة وحاولت قوى سيادية عدة ابراز أهميته في بنود أخرى تناولت ملفات بالغة الاهمية لا سيما الانتخابات الرئاسية والبلدية والتحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت ومحاسبة السياسيين الفاسدين ونزع سلاح المجموعات المسلحة وفرض العقوبات على الذين يعطلون القضاء والمؤسسات الدستورية والمسار الانتخابي الديموقراطي وتسمية الثنائي الشيعي أي الرئيس بري و”حزب الله” ووصفهما بالمعطّل. ومع ذلك غلبت الادانات للموقف الأوروبي في ملف النازحين على المواقف الداخلية ومن ابرزها ان جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” اعتبر انه “لم يعد باستطاعة لبنان تحمل أعباء اللجوء نتيجة أوضاعه السياسية والاقتصادية- الاجتماعية والديموغرافية. لذا ندعو الغيارى على حقوق الانسان وكرامته في المجتمع الدولي العمل مع لبنان على عودة اللاجئين الى بلادهم والضغط على النظام السوري لتسهيلها، أو إعادة توطينهم في بلدٍ ثالث، أي نقلهم من لبنان إلى بلدانٍ أخرى قد تكون أوروبية أو عربية، توافق على السماح لهم بالدخول، وتمنحهم الإقامة الدائمة والحياة الكريمة”.
كما لفت جهاز العلاقات الخارجية في حزب الكتائب الى ان “الحزب إذ يؤيّد بقوة المواد الواردة في القرار والتي تدين مَنْ أسهم في تدهور الوضع في لبنان، ولكنه يدين بشدة المادة المتعلقة باللاجئين السوريين، والتي فشلت في وضع خارطة طريق ضرورية لعودتهم إلى بلادهم وهو أمر مصيري لاستقرار لبنان ووجوده”.
بدوره، اعتبر تكتل “لبنان القوي” عبر النائب سيمون ابي رميا ان في القرار “دعوة مبطّنة لبقاء النازحين السوريين في لبنان”. ولفت الى “خطورة القرار الذي قد يمهّد لدمج النازحين في المجتمع اللبناني. الا ان القرار يحمل من جهة أخرى بنودًا أخرى لصالح لبنان وهي تتعلق بملفات عديدة كالشغور الرئاسي وقوانين مالية من سرية مصرفية ومكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية في لبنان”.
تحركات رئاسية
اما في المشهد السياسي والرئاسي الاخر، سجلت زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران #باسيل للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي في مقرّه الصيفي في الديمان غداة اعلان باسيل عودة الحوار بينه وبين “حزب الله” وعشية عودة الموفد الفرنسي الى بيروت. وذكر ان اللقاء تناول الأوضاع الاتصالات الجارية بشأن الاستحقاق الرئاسي. وبدا لافتا ان باسيل رفض الادلاء باي تصريح بعد الزيارة واكتفى بالقول “اترك ما تم التداول به في عهدة ابينا البطريرك وما تم التداول به اهم بكثير من أي كلام للاعلام “.
وتزامنت زيارته للديمان مع معلومات اشارت الى ان المسؤول الأمني في “حزب الله” وفيق صفا عقد أكثر من اجتماع مع جبران باسيل والمشاورات وُصفت بـ “البدايات المشجعة”.
وعشية انعقاد اللجنة الخماسية في الدوحة، التقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بدوره السفير القطري في لبنان ابراهيم بن عبد العزيز السهلاوي في زيارة وداعية جرى في خلالها بحث آخر المستجدات لاسيما ملف الاستحقاق الرئاسي. وكرر الجميل امام زائره “رفض وصول رئيس يفرضه “حزب الله” على اللبنانيين وان لبنان يحتاج في الظروف التي يمر فيها الى رئيس يحمل مهمّة واضحة لإخراجه من الوضع الحالي ويكون متحرراً من اي شروط قد تقيده في تنفيذ مهمته”.
وبعد إشارة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن #نصرالله في كلمته الأخيرة الى معاودة الحوار بين الحزب و”التيار الوطني الحر” أشار امس عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق، الى “أننا نُرحب بإعادة الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وهو نموذج للحوار غير المشروط، الذي طالما دعونا إليه، وخطوة في الاتجاه الصحيح بما ينفع لبنان للخروج من أزماته”.
الحدود الجنوبية
على صعيد الوضع على الحدود الجنوبية غابت امس أي تطورات ميدانية جديدة فيما دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، “الجيش الإسرائيلي للتحرك ضد الخيم التي أقامها حزب الله قرب الحدود”.
في المقابل، كشف متحدث باسم الخارجية الأميركية “أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء أي انتهاكات للخط الأزرق وتأثيرها على الاستقرار والأمن في كل من لبنان وإسرائيل”، داعيا الأطراف إلى “الامتناع عن الأعمال الاستفزازية التي تقوض الأمن والسلامة”. وقال “ندعو لبنان إلى العمل من خلال اليونيفيل لحل أي انتهاكات من هذا القبيل”. وأضاف “تؤكد هذه الانتهاكات فقط حاجة السلطات اللبنانية إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل ووصولها إلى المناطق المهمة الرئيسية على طول الخط الأزرق، وهذا الأمر حاسم لمنع دورات التصعيد”. وحول زيارة آموس هوكشتين لاسرائيل وعما اذا كانت تضمنت نقاشا حول الملف اللبناني، قال المتحدث: “ليس لدينا أي تعليق على المحادثات الدبلوماسية الأميركية الخاصة التي ربما حدثت أو لم تحدث”.