في وقت ثبتت فيه الخارجية الفرنسية رسميا طرح “حوار أيلول” الذي طبع الزيارة الثانية التي قام بها المبعوث الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف #لودريان كموعد “افتراضي” مآمول فرنسيا و”خماسيا” لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد نظرا الى ان مهمته باتت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالموقف الجماعي للمجموعة الخماسية من الازمة الرئاسية، ارتسمت امس للمرة الأولى جديا المعالم المبدئية لمخرج اللحظة الأخيرة لازمة حاكمية مصرف لبنان الذي نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في اجتماعاته المتعاقبة الكثيفة مع نواب الحاكم الأربعة في صياغته.
وبدا واضحا ان الاتجاه الذي سيسلكه المخرج سيفضي الى اسقاط خيار الاستقالة الذي لوح به نواب الحاكم بعدما سقط خيارا التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعيين حاكم جديد ليجري تعويم الخيار القانوني الأخير الذي سيفضي الى تسلم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري وتولي النواب الثلاثة الاخرين مسؤولياتهم الى جانبه ولكن بعد تلبية مطلبهم لجهة تآمين التغطية النيابية – الحكومية لهم في مهمتهم . واتخذ الاتجاه الى بلورة المخرج دلالات بارزة بعدما اسقطت جلسة مجلس الوزراء صباحا بافقادها النصاب كما كان متوقعا، وبقي خيار استقالة النواب الأربعة قائما باعتراف الرئيس ميقاتي. ولكن الاجتماع الثالث بين ميقاتي ونواب الحاكم عصرا اطلق مؤشرات أولية الى بداية معالجة جدية لمطالب هؤلاء خصوصا ان ميقاتي ثبت الانسجام بينها وبين الخطة الحكومية. وجاء البيان الذي أصدره بمثابة ايذان بالمخرج الجاري العمل على إنجازه. وقد أشار رئيس الحكومة الى” أن المرحلة الراهنة تتطلب تعاون الجميع للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي النسبي وعدم تعريضه للاهتزاز، وان هناك مسؤولية وطنية ملقاة على عاتقنا جميعًا، في حال لم يصر الى تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي”. وشدد على” ان المحاذير التي عبّر عنها نواب الحاكم في البيان الذي أصدروه قبل أيام مشروعة، وان الخطة الموضوعة من قبلهم تنسجم مع الخطة الحكومية، والحكومة ستتعاون مع المجلس النيابي لاقرار التشريعات الضرورية لحسن سير عمل المؤسسات في المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وفق الاصول المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف”. بدورهم شدد نواب الحاكم” على أنهم يقومون بواجباتهم الوطنية والوظيفية ضمن الاصول القانونية”. وشددوا على” ان البيان أصدروه لحض الجميع على تأمين المتطلبات القانونية والتنفيذية للحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار الذي لا يقتضي المس به اليوم”، مثمنين “تجاوب القوى السياسية لتأمين المتطلبات حكوميا ونيابيا وقانونيا”.
وكان ميقاتي اكد بعد “اللقاء الوزاري” التشاوري في السرايا الذي اعقب تعذر انعقاد جلسة مجلس الوزراء انه “بالنسبة إلى الجلسة التشريعية، نعوّل على وعي الجميع لمساعدة النواب الأربعة للحاكم وإيجاد طريقة لتمويل موقّت أو سلفة موقّتة إلى حين ضبط الأمور”. وشدد على “اننا أمام فرصة لحثّ حقيقي للقوى السياسية لانتخاب رئيس ويجب أن يُعاد انتظام العمل المالي النقدي في لبنان بطريقة طبيعية”. وقال “لم انجح بعد في ثني نواب الحاكم عن الاستقالة ونحن نناقش فرصة اعطاء تمويل ووقت لضبط الامور ولا اخشى قفزات كبيرة للدولار والكتلة النقدية يمكن امتصاصها سريعا”.
وأفادت معلومات انه خلال الاجتماع الوزاري التشاوري فوجئ الوزراء الحاضرون باقتراح من الوزير عباس الحلبي بالتمديد للحاكم رياض سلامة وقوبل برفض شديد له من رئيس الحكومة والوزراء الاخرين.
لودريان والخارجية الفرنسية
في غضون ذلك انهى الموفد الفرنسي ثلاثة أيام من اللقاءات المتلاحقة التي اجراها في لبنان وطرح خلالها اقتراح عقد حوار في قصر الصنوبر في أيلول حول مواصفات رئيس الجمهورية وبرنامج أولوياته يليه جلسات انتخاب مفتوحة. ولخصت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية ان – كلير لوجاندر في بيان نتائج الزيارة فاوضحت انه “كما فعل خلال رحلته الاولى، شدد لودريان امام جميع محاوريه على الحاجة الملحة للخروج من المأزق السياسي والمؤسساتي الحالي من جراء تمديد الشغور الرئاسي الذي يشكل مخاطر كبيرة على لبنان وعلى دولته واستقراره.”
واضافت “في هذا السياق اقترح لودريان على جميع الجهات الفاعلة المشاركة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية والدعوة في شهر ايلول المقبل الى اجتماع في لبنان للتوصل الى توافق في المواقف بشان القضايا والمشاريع ذات الاولوية التي سيتعين على رئيس الجمهورية القادم تنفيذها وبالتالي الصفات اللازمة للوفاء بها.”
وتابعت “الهدف من هذا الاجتماع هو خلق مناخ من الثقة والسماح للبرلمان بالاجتماع على الفور وفقا للظروف المؤاتية لاجراء انتخابات مفتوحة للخروج بسرعة من هذه الازمة”. واضافت “يستفيد نهج التيسير والمساعي الحميدة الذي بدأته #فرنسا من الدعم الكامل لشركاء لبنان واصدقائه الذين اجتمعوا في الدوحة في ١٧ تموز الماضي”. وقالت ان الموفد الشخصي “أشار الى الانفتاح البناء لجميع محاوريه اللبنانيين على هذا النهج المنفتح والبراغماتي، الذي يركز على انتخاب رئيس للجمهورية وما سيتعين عليه القيام به لوضع لبنان على طريق الانتعاش والاستقرار، لتمكينه من استعادة مكانته في بيئته الاقليمية واستعادة ثقة المجتمع الدولي.”
وكان الموفد الرئاسي الفرنسي انهى جولته على القيادات في يومه الثالث فالتقى رئيسَ “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد ومسؤول العلاقات الدولية عمار الموسوي في مقر الكتلة في حارة حريك. كذلك، التقى الأمين العام لحزب الطاشناق ورئيس كتلة نوّاب الأرمن النائب هاغوب بقرادونيان. كما التقى النائب عماد الحوت باسم “اللقاء النيابي المستقل”. وللمرة الثانية خلال زيارته هذه، التقى لودريان ظهرا في عين التينة، رئيس مجلس النواب نبيه بري. وقالت مصادر الرئيس بري انه بعد لقائه الثاني مع لودريان جدد التأكيد على “ان كوة قد فُتحت في الملف الرئاسي”. ونقلت معلومات عن لودريان قوله ان “المشاورات التي ستحصل في ايلول حول مواصفات الرئيس ومهامه، هي الفرصة الأخيرة من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، واذا لم تنجح جلسة المباحثات فستسحب الدول الخمس يدها من الملف اللبناني ومن سيعرقل الانتخابات سيتم فرض عقوبات عليه”.
في أصداء مهمة لودريان أعربت مصادر نواب في المعارضة لـ”النهار”عن تقديرها لـ “الاهتمام الذي تُبديه الدول الصديقة للبنان والذي تجلّى بالبيان الصادر عن اجتماعها في الدوحة، خصوصاً لجهة ضرورة التزام النواب مسؤولياتهم واحترام الآليات الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية والداعي للحفاظ على سيادة لبنان”. وبناءً عليه، يُجري نواب المعارضة الذين التقوا امس تقييماً مشتركاً للمقاربة التي طرحها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، وهم بصدد تحضير جواب مفصّل ومشترك تتمّ صياغته خلال الأيام المقبلة، وذلك “انطلاقاً من حرصهم على التعامل مع الموضوع بجدّية ودقّة شديدتين لأنّ البلد لم يعد يمتلك ترف الوقت والمماطلة والتعطيل، كما وانطلاقاً من حرصهم على رفض الهيمنة والفرض ورغبتهم بانتخاب رئيس للجمهورية بعيداً عن منطق الفرض والإملاء في أسرع وقت ممكن لإطلاق مسار الإنقاذ الذي ينتظره اللبنانيون”.