وسط “الشح” الذي أصاب بقوة المشهد السياسي الداخلي في الأيام الأخيرة بما اثار مزيدا من الانطباعات الجانحة الى استبعاد أي انفراج محتمل في الازمة الرئاسية في المدى المنظور، تصاعدت معالم الاحتدام الواسع في المخاوف كما في المواقف حيال مسألة النازحين السوريين في لبنان التي صار ثابتا انها تحولت الى القضية الأولى التي لا يتقدمها أي ملف. كما تصاعدت معالم قضية “القمع القضائي” الذي برز مع “الملاحقة” الجماعية التي يتولاها وزير العدل لجميع أعضاء “نادي القضاة” في قضية التعبير عن الرأي! ولعل ما زاد الاستهجان في هذه القضية الناشئة ان افتعالها جاء في عز تصاعد أزمات القضاء الذي يكاد يغدو مغيبا ان بفعل الازمة المالية وان بفعل التواطؤ على ضرب القضايا الكبيرة وتصفيتها مثل ملف #انفجار مرفأ بيروت .
وكانت ملفات الرئاسة والواقع الاقتصادي وملف النازحين السوريين قد طرحت في الزيارة المفاجئة التي قام بها امس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب #ميقاتي الى ابو ظبي حيث استقبله رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد #بن زايد آل نهيان في قصر الشاطئ في أبو ظبي. وقد اتفقا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاعادة افتتاح السفارة الإماراتية في بيروت وتشكيل لجنة مشتركة لوضع الية لتسهيل اصدار تاشيرات الدخول للبنانيين الى دولة الامارات. وخلال اللقاء اكد بن زايد ان الامارات كانت ولا تزال الى جانب الشعب اللبناني منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان والشيخ خليفة بن زايد ال نهيان . وشدد على ان موقف الامارات تجاه لبنان يقوم على دعم كل ما يحفظ امنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه وما يحقق مصلحة شعبه في التنمية والازدهار . وقال ” اننا نريد ان نرى لبنان قويا متماسكا وطرفا فاعلا في محيطه العربي والإقليمي والدولي”.
وعبر ميقاتي عن شكره وتقديره لرئيس دولة الامارات على الدعم المستمر الذي يحظى به لبنان من قبل الامارات وكان له الأثر الطيب في نفوس الشعب اللبناني .
اما في الملف الرئاسي، فعلمت “النهار” ان #الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني كثف حركته خلال اليومين الماضيين بعيدا من الأضواء ووسع مشاوراته مع عدد من الاطراف، وزار بيت الكتائب الذي شهد عدد من اللقاءات الديبلوماسية والتقى رئيس الحزب النائب سامي الجميل. ووفق هذه المعلومات فان الموفد القطري دخل في الاسماء وعلق الجميّل بتاكيده إحترام كل الشخصيات المقترحة في لائحته إلا أنه شدد على انه لن يبدي اي رأي سلبي او ايجابي تجاهها قبل سحب فريق “حزب الله” مرشحه من التداول وعندها يمكن مناقشة اي اسم او طرح وتكون بداية واقعية وجدية للمرحلة المقبلة.
ووفق المعلومات نفسها وسّع الموفد القطري دائرة لقاءاته والتقى شخصيات وكتلا لم يسبق ان التقاها في السابق ومنها “كتلة تجدد” وعاود زيارة بنشعي مرة ثانية بعد الاستياء الذي حصل اثر تسريب العرض القطري كما ذكر انه زار معراب ايضا. وأفادت المعلومات ان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية اكد مجددا أنه لن يسحب ترشيحه ومستمر في السباق الرئاسي مدعوما بكتلة من واحد وخمسين نائبا مثلما اكد الثنائي الشيعي للموفد القطري انه لن يطلب من فرنجية الانسحاب وهو مستمر في دعمه . ولاحظ بعض من التقاهم الموفد انه يميل الى انتزاع توافق سياسي على احد الأسماء التي يطرحها ولكن ذلك لم يتحقق ودونه صعوبات كبيرة .
رد #قائد الجيش
ووسط هذه الأجواء بدا لافتا امس الرد الحاد الذي صدر عن قائد الجيش العماد جوزف عون على الأصوات السياسية التي استهدفت انتقاد القيادة العسكرية والجيش في ملف منع موجات التسلل و#النزوح السوري الى لبنان علما ان الفريق شبه الوحيد التي يمعن في مهاجمة القيادة العسكرية هو رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل . فخلال افتتاحه في قاعدة جونيه البحرية مبنى مدرسة القوات البحرية بعد تشييده بتمويل من السلطات الألمانية، قال العماد جوزف عون ” رغم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، إلا أن عناصر الجيش يقومون بواجباتهم بكل اندفاع واقتناع، وعلى أكمل وجه، في كل المهمات الموكلة إليهم برًّا وبحرًا وجوًّا . ولعل أزمة النزوح السوري هي أشد التحديات التي تواجه الجيش حاليًّا، سواء التسلل عبر الحدود البرية أو الهجرة غير الشرعية عبر البحر. لقد ازدادت موجات النزوح في الأشهُر الماضية بشكل لافت، وحذرنا منها مرارًا، وطالبنا الجميع بتحمّل مسؤولياتهم، كلٌّ من موقعه. يتصدى الجيش وحده حاليًّا لهذا التحدي رغم كل التعقيدات الجغرافية واللوجستية والعددية، ويتعرّض يوميًّا لحملات مشبوهة ضده. في هذا الإطار، أحيّي كلَّ ضباطنا وعناصرنا الذين يبذلون قصارى جهودهم للحد من النزوح وتداعياتِه، كما أحيّي عناصر القوات البحرية على جهودهم في ما خص حماية الحدود البحرية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية عبر البحر، أمام كلّ الصعوبات والإمكانات المتواضعة”.
” قمع قضائي”
وسط هذه الأجواء يبدو ان قضية جديدة بدأت تتعاظم وتثير ردودا رافضة لكونها تمس بالحريات التعبيرية وهذه المرة من البوابة القضائية . ذلك ان اقدام وزير العدل هنري خوري على إحالة أعضاء “نادي القضاة” على التفتيش القضائي انفجر كفضيحة حريات وقمع لا سابق لهما في استهداف السلطة القضائية المولجة قبل أي رسالة أخرى بحماية الحريات نفسها التي يضمنها الدستور وشرعة حقوق الانسان . وبدأت ردود الفعل السياسية والنقابية تتصاعد على الاجراء المستنكر الذي تولاه وزير العدل عاكسا سياسة فريقه الزاعم بانه رأس حربة الحريات ظلت خجولة فيما تصاعدت أصوات أخرى منددة بالاجراء . وفي هذا السياق اصدر الحزب التقدمي الإشتراكي بيانا قال فيه: “كأنها لا تكفي حال التردي التي بلغتها العدالة في لبنان، في ظل التصرفات البوليسية التي تطال في ما طالته الجسم القضائي والحقوقي، بدءا من مصادرة التشكيلات القضائية، الى تشويه قانون استقلالية القضاء وتفريغ مضمونه والتلكؤ في إصداره، حتى بصورته المشوهة، وصولا إلى صراع الصلاحيات بين المراكز القضائية الأولى، ليأتي فوق كل ذلك وزير العدل ويستكمل القمع بإصدار قرار بإحالة أعضاء الهيئة الإدارية لنادي قضاة لبنان على التفتيش القضائي، على خلفية مواقفهم المنتقدة للواقع القضائي وللمخالفات القانونية والتنظيمية المرتكبة”. واعتبر انه “رغم أن قرار الإحالة ساقط سلفا لكون اختصاص التفتيش القضائي لا يقوم، إلا بناء على مخالفات وظيفية قد يرتكبها قضاة في معرض عملهم، فقد كان الأجدى بوزير العدل المؤتمن افتراضيا على القضاء أن يعمل على معالجة أزمات قصور العدل وموقع القضاة المهني، والمعنوي، والمادي، وتوفير الظروف الملائمة للعمل وتحقيق المساواة بينهم من دون محاباة أو محسوبيات”.
واعتبر النائب مارك ضو ان قرار وزير العدل هنري خوري “هو بمثابة قمع جماعي واستكمال لسياسة كمّ الأفواه وقمع الحرّيات التي تهدف الى إسكات القضاة ومنعهم من الاعتراض على التجاوزات الحاصلة داخل الجسم القضائي”.واكد ان”مطالب “نادي القضاة” أساسية ومحقة وتعنينا جميعًا، من استقلالية القضاء والحفاظ على الجسم القضائي من التجاوزات، ومن تدخل السلطة السياسية بالسلطة القضائية. ولا عدل ولا عدالة من دون قضاء مستقل”.
واثار “ائتلاف استقلال القضاء” هذه القضية وأبدى “قلقا كبيرا من هذه الشكوى لأنها تمس بحرية القضاة في الدفاع عن استقلاليتهم” واعتبر أن “هذا الفهم خاطئ جملة وتفصيلا، إذ أن “موجب التحفظ” يهدف إلى ضمان حيادية القاضي في القضايا التي ينظر فيها من دون أن يحد من قريب أو بعيد حرية القضاة في إبداء آرائهم بشأن الإصلاح القضائي أو استقلالية القضاء أو القوانين والتدابير المتصلة بها أو قضايا حقوق الإنسان بشكل عام.”. ولفت الى أن “ما يفاقم من هذا الأمر أن الإجراء المتخذ لا يرمي إلى الحد من حرية قاض فرد، إنما إلى الحد من حرية النادي كجمعية في اتجاه حرمانه من إصدار أي بيان. ومن شأن ذلك أن يشكل اعتداء مزدوجا على حريتي التعبير وتأسيس جمعيات ومعها على حق القضاة في الدفاع عن أنفسهم في مواجهة ممارسات الهيمنة والتدخل”. ورأى أن “ملاحقة نادي قضاة لبنان تأتي ضمن سياق اعتداء متواصل على القضاء والحريات العامة، في اتجاه تحصين نظام الإفلات من العقاب من أي محاسبة أو مساءلة”.