على وقع اليوم الأول من هدنة غزة وانطلاق الموجة الأولى من تبادل الاسرى والرهائن بين #إسرائيل و”#حماس”، بدا بديهيا ان تتجه العين الثانية للرصد الى الجبهة الجنوبية في لبنان نظرا الى الربط المحكم للواقع الميداني الذي نشأ فيها منذ الثامن من تشرين الأول الماضي بتطورات حرب غزة. ولذا لم يكن غريبا ان يسود الجبهة الجنوبية هدوء شبه شامل على امتداد الخط الحدودي بحيث شجع السكون الذي استعادته المنطقة الحدودية مجموعات غير قليلة من المواطنين الجنوبيين الذي تركوا بلداتهم وقراهم منذ بدء المواجهات على العودة وتفقد منازلهم وممتلكاتهم .
موشر التهدئة ربطا بتطورات الهدنة الغزاوية أبقى هامشا واسعا من الحذر لدى الأوساط الداخلية الرسمية والسياسية حيال ما يمكن حصوله على الجبهة الجنوبية اذ ان الترقب وحده بدا سيد الموقف في انتظار رصد الأيام القليلة المقبلة التي تعتبر اختبارا مهما لمسار التطورات في ظل هذه الهدنة. فاذا صمدت ونفذت كما تم التوصل اليه من تفاهمات في شأنها فان ذلك قد يشكل عامل تقوية واستدامة للهدوء على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية في الجنوب بما يؤكد الارتباط المحكم بين الجبهتين. ولكن الاحتمال السلبي ظل ماثلا أيضا لجهة التحسب لانتكاسات قد تواجه تنفيذ المراحل المتبقية من اتفاق الهدنة الموقتة خصوصا ان مواقف المسؤولين الإسرائيليين من سريان الهدنة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بدت اقرب الى التهويل والتهديد ولم تربط الهدنة بالجبهة الجنوبية .
لذا اتخذت الجهود والمساعي الخارجية والدولية لتبريد الجبهة الجنوبية دلالات مهمة وسط معطيات تؤكد ان الانقسامات العميقة الدولية حيال الوضع في غزة لا تنسحب على الموقف الدولي مما يجري في لبنان اذ ان هناك ما يشبه الإجماع الدولي على ضروة الفصل التام ميدانيا بين لبنان وغزة وتاليا إعادة الوضع في الجنوب الى التهدئة الشاملة والثابتة واستعادة المعادلة الأممية – اللبنانية التي ترعى الوضع في الجنوب في ظل احكام القرار الدولي 1701 لانه أيا تكن الوقائع التي اخترقت هذا القرار لن يكون ثمة مسلك جديد لاستعادة تطبيع الوضع في الجنوب الا من خلال هذا القرار . كما ان جانبا جديدا من التداعيات برز مع معالم إعادة تحريك الملف الرئاسي الجامد منذ مدة طويلة . وفي هذا السياق بات مؤكدا ان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيصل الى #بيروت الأربعاء المقبل ايذاناً بمعاودة مهمته الآيلة الى السعي لانتخاب رئيس للجمهورية بعدما اصطدمت هذه المهمة سابقا بعقبات حالت دون استمرارها .
وفي منشورٍ لها، مساء امس ، قالت السفارة الأميركية في بيروت إنّ “12 ساعة من الهدوء على الخط الأزرق أعطتنا جميعاً الأمل والطاقة المُتجددة لبناء غدٍ أفضل للبنان”، وأضافت: “إننا نردد دعوة زملائنا في اليونيفيل في بيانهم القوي”.
وكان رئيس بعثة “اليونيفيل” وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو عبر عن “قلقه إزاء تبادل اطلاق النار المكثف المستمر على طول الخط الأزرق الذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتسبب في أضرار جسيمة، وبهدد أرزاق لناس.” وقال “باعتبارنا حفظة سلام، فإننا نحثّ أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف هذه”، مضيفاً “إن أي تصعيد إضافي في #جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة”. وقال “يجب على الأطراف أن تؤكد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع”.
…و#روسيا
وبدا لافتا في سياق المساعي والمواقف الخارجية لمنع التصعيد في لبنان مضي روسيا في الدفع نحو هذا الموقف اذ أعلنت امس وزارة الخارجية الروسية ان محادثة هاتفية جرت بين الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي #ميخائيل بوغدانوف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وأشارت الوزارة في البيان الى “انه جرت خلال المحادثة مناقشة القضايا الراهنة المتعلقة بمواصلة التطوير التدريجي للعلاقات الروسية اللبنانية الودية التقليدية، بما في ذلك الحفاظ على الحوار السياسي المنتظم.كما تم التطرق إلى الوضع الناشئ في الشرق الأوسط، مع التركيز على الأحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان . وفي الوقت نفسه، أكد الجانب الروسي موقفه الثابت الداعم لوحدة الجمهورية اللبنانية وسلامتها الإقليمية وسيادتها، وعدم جواز امتداد التصعيد المسلح في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية”.
في غضون ذلك التقى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن للاتحاد الاوروبي جوزف بوريل في بروكسيل وأوضح انه وجه اليه دعوة لزيارة لبنان “في اقرب فرصة ممكنة، وشكرته على خطابه بالامس امام البرلمان الاوروبي ومقاربته السياسية لغزة”. أضاف “اذا ارادت اسرائيل وقف التصعيد فعليها وقف الحرب، والسماح بعودة الفلسطينيين الى شمال غزة، ووقف تهديداتها للبنان”. كما التقى بو حبيب رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا وشدد أمامها على “أننا اليوم امام فرصة حقيقية لوقف هذه الحرب المدمرة”.
أما على صعيد الوضع في الجنوب ومع دخول الهدنة في غزة حيز التنفيذ امس بدا ان مفاعيلها تمددت الى الجبهة اللبنانية الجنوبية مشكلة فرصة لالتقاط اهلها انفاسهم. وسادت طيلة النهار على المنطقة أجواء من الهدوء، ولم يسجّل منذ الصباح أي طلقة على جانبي الحدود، أو أي تحليق للطائرات المسيّرة التي لازمت سماء المنطقة منذ اليوم الأول لبدء الأحداث، كما غاب عن سماء المنطقة الطيران الحربي الذي حلّق فوق الأراضي الفلسطينية المحتلّة فقط.
كما تغيّر المشهد والحركة على الطريق الساحلي بين صور والناقورة، مع بدء المواطنين بالعودة إلى قراهم تدريجياً، لتفقّد منازلهم وأرزاقهم.
في الناقورة، وهي أحد خطوط المواجهة، خرج بعض المزارعين إلى حقولهم، وحضر عمال مؤسسة الكهرباء لمعاينة الأضرار. أمّا في بلدة علما الشعب، التي نالت نصيباً كبيراً من الاعتداءات التي تضرّر بنتيجتها عشرة منازل واحترق فيها العديد من أشجار الزيتون والسنديان، لوحظت عودة عدد قليل من الأهالي، انضموا إلى العدد القليل الذي بقي صامداً في البلدة وفي مقدّمتهم كاهن الرعية المونسينيور مارون الغفري ونائب رئيس البلدية وليام حداد.
وكما في علما كذلك في معظم قرى القطاع الغربي جرت عودة ولو خجولة للأهالي، لتفقّد بيوتهم وأرزاقهم.
ودعت قيادة الجيش المواطنين العائدين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي ولا سيما الذخائر الفسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الاتصال بعمليات القيادة على الرقم ١٧٠١. كما دعت إلى الالتزام بإجراءات الوقاية المعممة من قبل الجيش في هذا الخصوص.