شكلت عملية محاولة الاغتيال التي نفذتها مسيّرة إسرائيلية في قلب مدينة النبطية مستهدفة مسؤولاً عسكرياً في “حزب الله” رداً على استهداف الحزب موقعاً عسكرياً متقدما في كريات شمونة حيث أصيب ضابط وجنديان باعتراف الجيش الإسرائيلي، تصعيدا نوعيا خطيرا في مسار المواجهات الميدانية المتصاعدة على جبهة الجنوب بما بدد الانطباعات المتفائلة باقتراب موعد التهدئة ووقف المواجهات ربطاً بالمساعي المحمومة لاحلال تسوية غزة. اذ ان هذا التصعيد واختراق إسرائيل لمدينة النبطية للمرة الأولى منذ حرب تموز 2006 عكسا خطورة المرحلة الفاصلة عن احتمال التوصل الى هدنة في غزة في وقت يتبادل طرفا الصراع الميداني في الجنوب حشد الاستعدادات لإمكان اندلاع مواجهات اكبر على غرار ما كشف الإسرائيليون امس من ان قسما من الألوية الإسرائيلية التي انسحبت من غزة تجري تدريبات على ألحرب المحتملة مع “حزب الله”.
ومن هنا اكتسبت الجولة السريعة التي قام بها وفد من وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين امس وغداة زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت على رئيسي مجلس النواب والحكومة ووزير الخارجية ناقلا أفكارا فرنسية في شأن تهدئة الجنوب أهمية لافتة في توقيتها ومضمونها .
وكشفت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين في هذا السياق ان فرنسا تجهد منذ بداية الحرب في غزة لمنع حرب إسرائيلية على لبنان خصوصا بعد زيارة وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه الذي لمس لدى الجانب الإسرائيلي موقفا صارما إزاء القيام بحرب على لبنان اذا لم يستطيع سكان شمال إسرائيل ان يعودوا الى منازلهم التي غادروها بسبب قصف “حزب الله” اذ ان اسرائيل تعتزم القيام بحرب ليس فقط على مناطق “حزب الله” بل على كل لبنان. وفي اطار هذه المخاوف الجدية التي نقلها سيجورنيه الى المسؤولين اللبنانين، وضعت فرنسا خطة شاملة ديبلوماسية – امنية بطلب من الجانبين اللبناني والإسرائيلي قدمها الوزير سيجورنيه الى الطرفين من اجل التوصل خلال مراحل الى تقليص التصعيد والقتال للوصول الى تهدئة ومنع الحرب في لبنان مع التزام من الجانبين. وزارت بعثة فرنسية أولى مشتركة من الخارجية والدفاع كلا من إسرائيل ثم لبنان امس مع اقتراحات تقنية عملية ترتكز على إجراءات بمراحل يبادر الى تنفيذها كل من الجانبين الإسرائيلي واللبناني لتقليص الخطر الحقيقي لاحتمال شن حرب إسرائيلية على لبنان. وترتكزالخطة الفرنسية الشاملة الديبلوماسية الفرنسية على مراحل: المرحلة الاولى من الخطة تلحظ وقف العمليات العسكرية من الجهتين، والمرحلة الثانية تلحظ سحب اسلحة “حزب الله” من جنوب الليطاني وفك كل الخيم وما الى ذلك وانسحاب مقاتلي “حزب الله” عشرة كيلومترات مع وقف اسرائيل كل الخروقات، وتتم مراقبة تنفيذ ذلك من لجنة اميركية فرنسية لبنانية اسرائيلية . وتلحظ المرحلة الثالثة مفاوضات لحل الخلافات على الخط الازرق عبر لجنة عسكرية اممية اسرائيلية لبنانية، ولكن لا ذكر لمسألة مزارع شبعا. ومن ابرز عناصر الخطة الفرنسية الأساسية سيكون تعزيز وتقوية الجيش اللبناني في اطار حماية سيادة لبنان ونشر الجيش في الجنوب بما ينبغي معه توفير القدرات للجيش من خلال خطة فرنسية لدعوة أصدقاء لبنان الى طاولة للبحث في تقديم تمويل للجيش اللبناني يعزز قدراته. من جانبها الإدارة الاميركية تعمل أيضا على الملف مع باريس عبر زيادة الضغط على الجانب الإسرائيلي الذي ما زال في منطق حرب خصوصا انه يبدو للجانب الفرنسي ان الحكومة الإسرائيلية ما زالت تحصل على تأييد من المجتمع الإسرائيلي بالنسبة لاستمرار الحرب لأن عملية السابع من تشرين الاول مثلت صدمة عميقة للمجتمع الإسرائيلي. لكن باريس معنية بشكل كبير بسلامة لبنان وأمنه خصوصا ان لفرنسا فيه اكبر جالية في الخارج و٨٠٠ جندي فرنسي في قوة حفظ السلام للأمم المتحدة اليونيفيل.
النبطية… وكريات شمونه
المسعى الفرنسي المتقدم اكتسب دلالاته الدقيقة بازاء تطورات الساعات الأخيرة التي شهدت تصعيدا واسعا. اذ ان مسيرة اسرائيلية استهدفت بصواريخ سيارة وهي متجهة في قلب مدينة النبطية باتجاه تمثال حسن كامل الصباح. وبحسب شهود عيان افادوا “النهار” ان السيارة كانت مسرعة فيما كانت طائرات الاستطلاع الاسرائيلية تحلق على علو منخفض وكانها تنتظر لحظة سانحة للاستهداف. وعند الاستهداف خرج شخص مصاب من السيارة باتجاه الرصيف مسرعاً فيما لم يتمكن الثاني من الخروج من السيارة. وعلمت “النهار” من مصادر في الحزب ان العملية لم تسفر الا عن اصابتين احدهما بحال خطرة، فيما الثاني تمت معالجة جروحه وحاله مستقره.
وتضاربت المعلومات حيال القيادي العسكري المستهدف بمحاولة الاغتيال اذ تحدثت تقارير إعلامية عن نجاة القائد العسكري العام لـ”حزب الله” علي كركي من محاولة الاستهداف في النبطية بعدما كانت تقارير أخرى أفادت ان المستهدف كان عباس الدبس الملقب بـ”الحاج عبدالله” .
وزعمت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه “تمّ اغتيال قائد المنطقة في “حزب الله” المسؤول عن إطلاق الصواريخ المضادة للدروع على كريات شمونة وأن الاغتيال جاء رداً على إصابة ضابط في الجيش الإسرائيلي بجروح خطرة في كريات شمونة. واكدت الإذاعة إصابة ضابط وجنديين في استهداف “حزب الله” قاعدة عسكرية في كريات شمونة.
وكان “حزب الله” اعلن انه استهدف ثكنة برانيت كما اعلن انه استهدف مقر قيادة اللواء الشرقي 769 التابع لفرقة الجليل 91 في ثكنة كريات شمونة ثم موقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة ثم مربض الزاعورة وبركة ريشا. واذ أفيد ليلا عن اطلاق صواريخ من الجنوب في اتجاه الجليل اعلن “حزب الله” انه “ردا على الاعتداءات الصهيونية على القرى والمدنيين واخرها العدوان على مدينة النبطية” استهدف قاعدة ميرون الجوية بصواريخ “فلق” وأصابها إصابة مباشرة.
اعتصام المتقاعدين…
في سياق داخلي اخر اتسع امس اطار التحركات الاحتجاجية للمتقاعدين العسكريين مطالبين بانصافهم في ظل اعتصام كبير وحاشد نفذوه في محيط السرايا لم يخل من التصعيد والمواجهات وذلك تزامنا مع جلسة لمجلس الوزراء. ومع ان المعتصمين لم يتمكنوا من منع انعقاد الجلسة التي تأخر انعقادها حتى الظهر إلا أنهم نجحوا في فرض مطالبهم على جدول اعمال مجلس الوزراء اذ أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن عقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء يوم غد السبت ستخصص للبحث في أوضاع العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام، مؤكدا “اننا حريصون على حقوق جميع المواطنين”. وتم في جلسة امس التصديق على نشر موازنة العام 2024 . الا ان الابرز خلال الجلسة كان تعيين مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال، اللواء حسان عوده رئيساً للاركان بعد ترقيته من رتبة عميد إلى لواء من دون تعيين العضوين في المجلس العسكري الشيعي والارثوذكسي. وتعقيبا على ذلك حمل وزير الدفاع موريس سليم الرئيس ميقاتي تبعة هذه “المخالفة الدستورية والقانونية الجديدة التي ارتكبها والتي تضاف الى سلسلة مخالفات وتجاوزات ترتكب منذ بدء الشغور الرئاسي، وسيبنى على هذه المخالفة ما يقتضى لحماية المؤسسة العسكرية من التجاوزات التي تستهدفها “.
هجوم باسيل
واصدر لاحقا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بيانا عنيفا اعتبر فيه ان “8 شباط 2024 هو اليوم الذي نحرت فيه حكومة مستقيلة دستور الطائف”. وقال” من اقترح على الحكومة المستقيلة تعيين موظف فئة اولى من دون الوزير المعني، هو اغتصب صلاحية دستورية تعود لوزير الدفاع وفقاً للمادة 66 من الدستور وهذا جرم جنائي معاقب عليه بالاعتقال لمدّة لا تقل عن سبع سنوات وفقاً للمادة 306 من قانون العقوبات. وهو كذلك مسؤول عن افعاله الجنائية امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وفقاً للمادتين 70 و 71 من الدستور. لنرى اذا كان هناك 26 نائباً، على الأقل، وخاصةً من الذين يطالبون بالتغيير وبدولة القانون، مستعدين لتقديم طلب اتهام بحقه بموجب عريضة تقدّم للمجلس النيابي وفقاً للقانون 1990/13. من البديهي ايضاً ان يقدّم طعن امام مجلس شورى الدولة بهكذا قرار، وبهكذا مرسوم صادر دون توقيع الوزير المعني “.وأضاف “انّ رئيس الحكومة الذي قدّم الاقتراح قد ذبح الطائف، والوزراء المشاركون اعلنوا وفاته اليوم؛ وكل من غطّى هذه العملية بالقبول المبطّن او بالسكوت هو شريك في الجريمة. والى المرجعيات الدينية والاحزاب السيادية التي تطالب كل يوم بانتخاب رئيس حرّ وسيادي، نقول لهم اين انتم من هذه العناوين لمّا كنتم انتم بموافقكتم السابقة ومشاركتكم المستترة وسكوتكم الفاضح، قد اوصلتم هذه الحكومة المستقيلة الى ارتكاب هكذا فظاعة بغياب رئيس الجمهورية؛ وكيف ستطالبون بعد اليوم القائمين بهذه الحكومة، والذين تتهمونهم بالتعطيل، ان يقوموا بانتخاب الرئيس فيما هم يقومون مقامه ومقام كل وزير معارض لمخالفاتهم”.