سؤال كبير طرح في اليوم الثاني من الجولة الواسعة التي تقوم بها لجنة سفراء مجموعة الدول الخمس المعنية بالازمة الرئاسية في لبنان: إلى أين ستفضي هذه الجولة وهل ستؤدي الى بلورة خطة او خارطة طريق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي تطرح على الكتل والنواب والقيادات السياسية، وماذا ستراها فاعلة لجنة السفراء الخمسة بعد استكمال الجولة التي لا تزال في منتصفها وقد تستأنف مطلع الشهر المقبل او بعد عيد الفطر؟
لم تختلف الانطباعات التي تركتها لقاءات اليوم الثاني لسفراء الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر مع القادة السياسيين، اذ بدا واضحا ان الدلالات البارزة لهذه الجولة تتمثل في ان السفراء الخمسة مجتمعين وغير منفردين يطلعون هذه المرة، بل يعاينون عن كثب وجها لوجه، مواقف القيادات السياسية واقتراحاتهم واتجاهاتهم حيال الازمة الرئاسية. وبذلك يفترض ان تكون جولة السفراء الخمسة، التي ستستكمل بعد برمجة ملائمة تراعي حلول الأعياد المقبلة في نهاية الشهر الحالي ومطلع الشهر المقبل، قد شكلت مبدئيا الاستكشاف الأوسع والأكثر تفصيلا لمواقف واتجاهات القوى الداخلية بما يتيح حينذاك توافق الدول الخمس، اذا توافرت عناصر التوافق لديها، على طرح خطة تخرج من اطر المبدئيات العامة الى اقتراح خريطة طريق ممرحلة ستغدو بمثابة العامل الدولي الأكثر جدية في الضغط على القوى اللبنانية لحملها على الخروج من الأزمة والاحتكام الى العملية الانتخابية.
وكانت جولة السفراء شملت امس تباعا كلا من الرئيس السابق ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط ونجله الرئيس الحالي للحزب النائب تيمور جنبلاط. وأفادت المعلومات ان عون شدد في اللقاء على ضرورة ان تتوفر لدى المرشح الرئاسي النية والقدرة على معالجة الأزمات التي يعاني منها لبنان وبخاصة ما يطال الاقتصاد والأمن، ومتابعة التحقيقات في الجرائم المالية. وقالت مصادر مواكبة للقاء الرابية لـ”النهار” إنّ اللجنة لم تقدّم أيّ طرح، وإنّ اللقاء مع عون “جاء من باب موقعه الوطنيّ، وما يمثّل وأنّ اللقاء تطرّق إلى موضوع الحرب في غزة والجنوب”. أمّا في موضوع الاستحقاق الرئاسي فقالت المصادر عينها، إنّ السفير السعوديّ وليد بخاري شدّد على ضرورة انتخاب رئيس “حتى لا ينزلق لبنان إلى ما هو أخطر”، فيما تمنّى السفير المصريّ علاء موسى على عون “أن يكون عاملاً مساعداً لمهمّة الخماسيّة بما يملك من حيثية”. أمّا السفيرة الأميركية ليزا جونسون فقد أرادت الاستماع أكثر إلى آراء الرئيس عون، الذي أكّد بدوره أنّ موضوع الانتخاب مرتبط بفتح باب المجلس النيابيّ، وأنّ هذا الأمر عند رئيس المجلس نبيه بري. واكدت المصادر أنّ هذا الشقّ من الزيارة مرتبط بالتمثيل الوطني الذي يمثله عون، أمّا الشقّ السياسيّ فيبحث مع رئيس “تكتل لبنان القويّ” النائب جبران باسيل وأنّ السفراء طلبوا بالفعل موعداً للقائه.
ولكن مواقف رئيس “القوات” بعد لقائه والسفراء في معراب رسمت معالم شكوك حول جولتها، اذ أن جعجع اكد ان “دول الخماسية دول صديقة للبنان وهي تسعى جاهدةً إلى تيسير الشؤون اللبنانية، من هنا كنت واضحاً معهم كي لا يغشهم البعض ويضعهم في مجريات أمور غير دقيقة كون المشكلة في مكانٍ آخر”. وشدد على ان “المشكلة تكمن في العرقلة التي يفتعلها محور الممانعة، فهو لا يريد إجراء انتخابات رئاسيّة في الوقت الراهن، للأسباب الاستراتيجيّة المعروفة. وقد قلت للسفراء إن كان أحدٌ يملك حلاً لهذه المشكلة فليطرحه، وإلّا “هيدا تخبيص بالصحن” في الوقت الضائع، فضلا عن أنه ملهاة – مأساة لتسلية الشعب اللبناني بدءاً من الحوار الى سواه”. أضاف “لا أعرف مدى قناعة اللجنة الخماسية، ولكن الأكيد أن السفراء الخمسة لديهم النية لمعالجة الملف اللبنانيّ ولكنهم يصطدمون بجدار في الجهة المقابلة. لقد حاولوا أن يأخذوا شيئاً من هنا (معراب)، لكنهم لم يأخذوا ولن يأخذوا شيئاً، “طبيعي ما في شي بينعطى باعتبار أننا لسنا مستعدين لخرق الدستور أو تخطيه، للإتيان برئيس تابع لحزب الله”. ورداً على سؤال، علّق جعجع قائلاً: “لم أجد أحداً أشطر من الرئيس بري في عملية تضييع “الشنكاش”، وأشهد له بذلك”. ووصف بري بانه babysitter لمحور الممانعة”.
مجلس الامن والقرار 1701
وفي الملف الديبلوماسي الدولي المتصل بالوضع في الجنوب قدمت امس المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة إلى مجلس الأمن حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 أثناء جلسة مشاورات مجلس الامن المغلقة لمناقشة احدث تقرير للامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تطبيق القرار 1701 ( النص الكامل للتقرير منشور على الموقع الإلكتروني لـ”النهار” ) . وأعربت المنسقة الخاصة عن “قلقها العميق إزاء التصعيد في تبادل إطلاق النار على جانبي الخط الأزرق، وفيما وراءه ، قائلةً إن هذه الانتهاكات المتكررة للقرار 1701 تزيد مخاطر سوء التقدير كما تفاقم التدهور في الوضع الحرج الحالي”. وتوجّهت الى المجلس بالقول: “في ظل أولوية منع وخفض التصعيد على جدول أعمالنا، يجب أن يكون تركيزنا الجماعي ودعوتنا وضغطنا مركزا في المقام الأول على الحثّ على العودة إلى وقف العمليات العدائية”، مضيفةً أنه “لا يزال هناك مجال للجهود الديبلوماسية من أجل التوصل إلى حل يمنع اندلاع صراع أوسع نطاقًا”.وقالت إن الوضع الحالي يسلط الضوء على المخاطرالتي يجلبها التنفيذ المنقوص للقرار 1701على لبنان وإسرائيل وعلى استقرار المنطقة بأسرها”. وأضافت: “لم يعد كافياً العودة إلى الهدوء والاستقرار النسبيين اللذين سادا قبل 8 تشرين الأول. إن عملية سياسية ترتكز على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، أصبحت ضرورية” . وسلّطت الضوء على “أهمية وجود جيش لبناني قوي وتتوافر له الإمكانات لتنفيذ القرار 1701 بشكل كامل، داعية إلى تعزيز الدعم الدولي للجيش لتمكينه من القيام بواجباته على أكمل وجه، بما في ذلك تعاونه مع اليونيفيل”. كما أعادت التأكيد على “الضرورة الملحة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان لتمكين مؤسسات الدولة من العمل بشكل كامل في ظل الأزمة الراهنة”.
ميقاتي .. وملف الجمارك
على صعيد داخلي آخر، رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جلسة مجلس الوزراء في السرايا. ولفت في مداخلته في الجلسة قوله : “نحن في الحكومة همنا الاساسي الابقاء على هيكل هذه الدولة ومنع حصول اي تصدع اضافي في بنيته الى أن يتحقق الوفاق السياسي الذي يتيح اجراء الاصلاحات المناسبة. نحن على استعداد للقيام بالاصلاحات المطلوبة، ولكن المشكلة ان هناك تيارات سياسية عدة في البلد ، منها من يريد انهيار الدولة بشكل كلي، وبعضها ربما يسعى للمساعدة في اعادة بناء الدولة والبعض الاخر يسعى للحفاظ على الدولة ومؤسساتها”.
ولدى طرح البند المتعلق بطلب وزارة المال البت في الخلاف الحاصل في المجلس الاعلى للجمارك بشأن تعيين الخفراء الناجحين في المباراة التي اجريت للتطويع لصالح الضابطة الجمركية قال ميقاتي : “لا اسمح بنقل الخلاف الذي حصل في المجلس الاعلى للجمارك الى مستوى الوزراء. كما لا اسمح باستغلال هذا الموضوع من اي طرف كان او اي تيار سياسي بلغة شعبوية سعيا لتحقيق مكاسب وتسجيل النقاط. انني الاحرص على معالجة هذا الموضوع من منطلق الحرص على الجميع، وعلى الوحدة الوطنية، وتجنبا لحصول اي خلاف على اي مستوى داخل مجلس الوزراء، خاصة ان الموضوع له خلفيات طائفية، طلبت المزيد من الدرس مع التأكيد على قرار مجلس الوزراء السابق. وادعو الجميع الى مقاربة الملف بموضوعية بعيدا عن الاستغلال الطائفي البغيض”.
ومعلوم ان الملف جمد ولم يبت تعيين الخفراء الذين هم في مجملهم من الطوائف الإسلامية مما اثار ردودا وتداعيات حادة أبرزها في تصريحات للنائب جبران باسيل وخلافات داخل المجلس الأعلى للجمارك. وذكرت مصادر مطلعة على الملف ان المشكلة الأساسية تتصل بعدم إقبال الشباب المسيحيين بالحد الأدنى المطلوب على المباراة لمراعاة التوازن الطائفي الامر الذي تسبب بخلل واسع .
صفا الى الإمارات
بعيدا من هذه الأجواء بدا لافتا التطور الذي تمثل في الكشف عن توجه رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا الى دولة الإمارات العربية المتحدة الاثنين الماضي على متن طائرة خاصّة في زيارة نادرة لمسؤول من “حزب الله” لأبو ظبي . وافيد ان زيارته على صلة بمعالجة ملف موقوفين لبنانيين في الامارات وإطلاقهم قبيل نهاية شهر رمضان من ضمن تسوية معينة. وأفادت معلومات ان صفا يفترض ان يلتقي في أبو ظبي امين عام الأمن الوطني في الإمارات علي الشامسي لانهاء ملف عدد من الموقوفين .