وسط انتظار ما ستحمله زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان الأسبوع المقبل من جديد، راوح المشهد الداخلي في جمود ورتابة فيما غابت معالم أحياء “عيد المقاومة والتحرير” وحلت مكانها بيانات وخطب. ولكن الحدث البارز الذي يبدو أنه يثير اهتماماً واسعاً هذه المرة يتمثل في “الحيز اللبناني” من مؤتمر بروكسيل الخاص بأزمة النازحين السوريين الذي سينعقد مطلع الأسبوع المقبل في العاصمة البلجيكية. إذ إن “القوات اللبنانية” أطلقت حملة واسعة لتنظيم اعتصام أمام مقر المؤتمر لإسماع المؤتمرين صوت الاعتراض اللبناني، وفي الجانب الحكومي اللبناني الرسمي سيكون للبنان مشاركته من خلال وزير الخارجية عبد الله بو حبيب .
والبارز في هذا السياق ما أعدّه مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سمير ضاهر في ورقة حول ملف النزوح السوري، سيتم عرضها في المؤتمر والتي تتناول كل أوجه الكارثة التي يرزح تحتها لبنان بفعل العبء المخيف الذي “لا مثيل له، وذو عواقب خطيرة”. وتشير الدراسة الى أنه “على مدى الاثني عشر سنة الماضية، كان لحرب سوريا وقع هائل على لبنان، خاصةً نتيجة التدفقّات العارمة للنازحين التي لم يَتُم تقاسمها بشكلٍ متساوٍ بين الدول، بما فيها العربية. إن لبنان، الذي يتحمَّل عبئاً غير مسبوق، يُعتَبر، مقارنةً بصغرِ مساحته وعدد سكّانه، الأول في العالم بين البلدان التي يتواجد فيها نازحون”. وتورد الدراسة الأرقام والواقع الديموغرافي “لكثافة سكّانية عالية تشكل خطراً على تذويب للهوية الوطنية” اذ تُفيد المديرية العامة للأمن العام، المؤسسة المسؤولة عن دخول الأجانب ومراقبة إقامتهم على الأراضي اللبنانية، عن وجود مليونين وثمانين ألف (٢،٠٨٠،٠٠٠) مواطن سوري في لبنان، أي ما يزيد عن نصف عدد المواطنين المقيمين الذي تدَنّى حالياً إلى ما دون الأربعة ملايين. وتخلص الدراسة الطويلة الى أنه “وإن تأخر الأوان، فلقد ظهر إجماع وطني راسخ لمقاربة مشكلة النازحين واحتوائها بهدفٍ واحد لا لُبْسَ فيه، وهو عودتهم إلى وطنهم. ويرتكز هذا على حقيقة بديهية مفادها أنه في لبنان، حيث تجاوز عدد السوريين نصفَ عددِ المواطنين المقيمين، لا يمكن أن يكون دمج النازحين في النسيج الوطني خياراً لأن نتيجته الحتمية ستكون تذويب الأقلِّية اللبنانية التي تتقلَّص يوماً بعد يوم ضمن أغلبية سورية تزداد دون هوادة. لِذا على لبنان المثابرة في مناشدة المجتمع الدولي متابعة تقديم المساعدات للعائدين داخل سوريا لفترةٍ من الزمن، رغم أن مناشدته لم تَجِد صدىً حتى الآن. وفي حين يجاهر المجتمع الدولي بحرصِه على كيان لبنان واستقراره وأمنه، فإن موقفه الفعلي – الذي تمليه من جهة علاقتُه المتأزّمة مع الحكومة السورية وعدم الثقة بها لحماية العائدين، ومن جهة أُخرى مصلحتُه في إبقاء النازحين في بلاد الجوار بعيداً عن حدوده وشواطئه – يتجاهل كلّياً ما قد يكون لاستمرار الوجود السوري الكثيف من ارتدادات وعواقب على لبنان، من وقعٍ على اقتصاده، وتأثيرٍ على بيئته، وتقويضٍ لاستقراره وتماسكِه الاجتماعي وسلمِه الأهلي، وفي المدى المنظور، تذويبٍ لهويَّته الوطنية”.
وعشية اجتماع بروكسيل حول مستقبل سوريا دعت “الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين”، مؤيديها واللبنانيين المغتربين وأصدقاء لبنان إلى “المشاركة الكثيفة في الاعتصام الذي سيقام أمام قصر العدل في بروكسيل، الإثنين 27 الجاري، من الساعة 12:00 ظهراً حتى الساعة 2:00 بعد الظهر، لحث قادة الاتحاد الأوروبي على تغيير موقفهم لجهة إعادة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سوريا والى استدراك مخاطر النزوح السوري في لبنان”. وقالت: “إن هذا الاعتصام يأتي في ظل المخاطر الجمة التي يشكلها هذا النزوح على أمن لبنان واستقراره ووجوده، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في البلاد”.
في غضون ذلك وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة الى اللبنانيين بمناسبة “عيد المقاومة والتحرير”، جدد فيها “الشكر والتقدير لكل المساعي الإقليمية والدولية التي تبذل لاسيما جهود اللجنة الخماسية الرامية لمساعدة لبنان على إنجاز استحقاقه الرئاسي وهو جهد مقدر لكنه يبقى من دون طائل إذا لم نبادر جميعاً كقوى سياسية وكتل برلمانية لملاقاته في منتصف الطريق بالاحتكام لمنطق الحوار أو التوافق أو التشاور كلغة وحيدة فيما بيننا دون إلغاء أو إقصاء لأي طرف أو تهميش لأي مؤسسة وخاصة المجلس النيابي ودائماً تحت سقف الدستور، فلنسارع إلى التقاط اللحظة الراهنة غداً قبل بعد الغد إنقاداً للبنان وصونا لعظيم ما بذله الشهداء من تضحيات في سبيل ان يبقى وطنا واحدا موحدا لجميع ابنائه “. ودعا المجتمع الدولي لمقاربة ملف النزوح السوري مقاربة إنسانية بعيداً عن أي استثمار لأغراض تهدد وحدة وسيادة الشقيقة سوريا كما ندعو الحكومة اللبنانية الى الإسراع في فتح قنوات التواصل مع الحكومة السورية وتشكيل لجان مشتركة تحقق العودة الامنة للنازحين الى وطنهم الأم”.
وقال “إننا نجدد التزامنا وتمسكنا بالقرار الأممي رقم 1701 بكافة بنوده ومندرجاته وأن المسؤولية عن خرق هذا القرار منذ لحظة صدوره هي إسرائيل بأكثر من 30 الف خرق براً وبحراً وجواً وبالتوازي فإن لبنان متمسك بحقه بالدفاع عن أرضه بكافة الوسائل المتاحة في مواجهة العدوانية الاسرائيلية ولاستكمال تحرير ما تبقى من أرضه المحتلة في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة والشطر الشمالي من قرية الغجر”. وأكد “إن لبنان منفتح للتعاون الإيجابي مع أي جهد دولي يهدف الى لجم العدوانية الاسرائيلية وإطماعها تجاه لبنان وثرواته وكيانه وحدوده البرية والبحرية والجوية وهو غير مستعد للتفريط بأي حق من حقوقه السيادية “.
ولم يتطرق الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الاحتفال التأبيني الذي أقامه الحزب للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ورفاقه الى الملفات الداخلية ولكنه تناول ملف الحرب وقال: “نتمنى أن تتوقف الحرب، ولكن لو أصر نتنياهو على الحرب فهو يأخذ هذا الكيان إلى الكارثة والمقاومة إلى النصر المؤزر”. ورد على تهديدات نتانياهو من الجبهة الشمالية مع لبنان، وقال: ” يجب أن تنتظر من مقاومتنا المفاجآت، وأنا لا أبالغ بذلك، وأود أن أقول لا خداعكم ينطلي علينا ولا ضغوط أسيادكم تنفع، وهذه المقاومة سوف تستمر”. وجدد التأكيد أن “هدف فتح الجبهة هو اسناد غزة وأهدافنا وشعاراتنا واضحة، والهدف الثاني لفتح الجبهة في الجنوب منع اي عملية استباقية للعدو باتجاه لبنان، ودائماً كنا واضحين بأننا عندما نذهب إلى معركة نذهب بعناوين وأهداف محددة وواضحة”.