ارتفع منسوب الحذر الشديد لدى غالبية المسؤولين الرسميين والسياسيين اللبنانيين في الحديث عن مجريات حالة الانتظار الثقيل التي ترخي بذيولها على مجمل الأوضاع في لبنان تحسباً لكل تطور حربي قد يسقط على رؤوس اللبنانيين في أي لحظة، وهو الحذر الذي ترجمه التزام كثيرين منهم الصمت وتفضيلهم المراقبة ومحاذرة إطلاق توقّعات وتقديرات قد تتهاوى سريعاً عند أول مؤشر حربي جدي ينذر ببداية مرحلة “الرد والرد على الرد” التي يتهيبها الجميع داخلا وخارجاً.
ومع ذلك لا تخفي مراجع رسمية وسياسية تعاظم الرهانات على ما تصفه هذه المراجع بـ”الحمى الديبلوماسية” غير المسبوقة التي تجتاح عواصم المنطقة والعابرة للخطوط الإقليمية والدولية، والتي بلغت في الأيام الأخيرة ذروة قياسية في مساعٍ متقاطعة لمنع اندلاع حرب إقليمية واسعة لمجرد أن تنفّذ إيران و”حزب الله” وأذرعة “المحور الممانع” تهديداتها برد قوي على إسرائيل لاغتيالها إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
إذ أن هذه الحمى وإن لم تبلغ حدود ضمان تحديد “الردّ الممانع” ضمن خطوط حمر تحول دون اندفاع إسرائيل في ردود كفيلة باشعال حرب، فإنها لا تزال تحقق وضعاً من التفاوض المباشر وغير المباشر، عبر شبكة دول ووسطاء وتحركات محمومة بما أطال أمد تأخير الرد والردّ على الرد، ووسّع أطر الضغوط للحؤول دون انفلات بالغ الخطورة في تبادل الضربات بين إسرائيل وكل من إيران و”حزب الله” في المقام الأول.
ولكن بدا لافتاً أن الحكومة اللبنانية وغداة الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد #حسن نصرالله، والذي اعتبر على نطاق واسع أنه جاء مهدئاً للمناخ المشدود الذي سبقه، تصرفت على أساس رفع وتيرة الاستنفار في التحسب للتطورات الحربية في الإجراءات الطارئة التي تتخذها في قطاعات التموين والاستشفاء والصحة والنفط وما إلى ذلك.
كما أن هذا الاستنفار زاده مضيّ الدول في إجراءاتها الاحترازية تجاه رعاياها، إذ نقلت “رويترز” عن متحدث باسم الخارجية الألمانية “أننا ندعو المواطنين الألمان مرة أخرى إلى مغادرة لبنان بشكل عاجل”. وكانت أعلنت شركة “لوفتهانزا” الألمانية “تعليق جميع الرحلات إلى تل أبيب وطهران وبيروت حتى 13 آب (أغسطس) الجاري”. وأعلنت السفارة الأميركية في بيروت، أنه يُمكن الأميركيين الراغبين بمغادرة لبنان التقدم بطلب للحصول على قرض مالي. وكانت السفارة قد دعت في وقت سابق رعاياها في لبنان إلى المغادرة، وطلبت من الذين لا يستطيعون المغادرة “التحضّر لأخذ ملاجئ في أماكن وجودهم لفترات طويلة”.
وفي غضون ذلك مضت إسرائيل في تصعيد تهديداتها الى حدود التأكيد باستعدادها لضرب كل مكان في لبنان. وفي هذا السياق شدّد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي على أن “إسرائيل ستوجه رسالة في غاية الوضوح لأعدائها مفادها أن الذين اعتدوا عليها، والذين يتحدثون في كل خطاب عن كيفية تدمير دولة إسرائيل، ستضربهم وستواصل زيادة قوتها”. وقال من قاعدة تل نوف الجوية: “سنكون قادرين على شن هجمة سريعة للغاية، على كل مكان في لبنان، وعلى كل مكان في غزة، وعلى كل مكان في الشرق الأوسط، فوق الأرض، وتحت الأرض”.
وأضاف: “لقد قمنا بعمليات هامة للغاية على مدار الأسابيع الماضية، حيث قتلنا أبرز القادة لأعدائنا الأكثر إشكالية، ونحن لا نتوقف”.
بدوره، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي #يوآف غالانت، أن “المعركة مع “حزب الله” قد تتدهور إلى حرب حقيقية” . ورأى أن حسن نصرالله “يجرّ لبنان لدفع ثمن كبير”. وردّ غالانت على كلام نصرالله الثلاثاء، قائلًا: “إنّهم لا يتخيّلون ما يمكن أن يحدث بحال اندلعت حرب”.
وتكثفت في #السرايا الحكومية سلسلة اجتماعات وزارية برئاسة رئيس الحكومة #نجيب ميقاتي في اطار مواكبة الأوضاع الراهنة ومراجعة جهوزية الوزارات والإدارات اللبنانية في حال حصول أي طارئ. وبحثت “لجنة ادارة الأزمات والكوارث” في تعزيز الجهوزية في حال توسع الإعتداءات الإسرائيلية.
وتمت دعوة كل الوزارات والإدارات الرسمية وكذلك #المنظمات الدولية الشريكة بتنفيذ خطة الطوارئ والنقابات الأساسية وتمت مناقشة نقاط أساسية منها: موضوع الإيواء وكيفية تحسين وتجهيز مراكز الإيواء، الصحة وخطة الطوارئ التي تعمل عليها وزارة الصحة، ملف الغذاء حيث تم التأكيد من مستوردي الأغذية بالسوبر ماركت أن المواد الغذائية مؤمنة، موضوع الفيول تأمين البنزين والمازوت. وفي السياق أكد وزير الطاقة والمياه وليد فياض أمس أن “لبنان على موعد مع انفراجة كبيرة، بانتظار التبليغ الرسمي بموعد تحميل الفيول الأسود العراقي”. وقال: “لن نسمح للظلام بأن يطغى وسنواصل الكفاح حتى ضمان توفير الكهرباء”.
مواقف من الحرب
في المواقف الداخلية من التطورات برز موقف لمجلس المطارنة الموارنة عقب اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي أبدى فيه المطارنة “تخوّفهم من انعكاسات الحرب في غزة وجنوب لبنان وما قد تقود إليه من تصعيد شامل لأعمال العنف بإرادة أجنبية ولمصالح لا تمت إلى الوطن بصلة، فيما يعرف القاصي والداني أن الحل الوحيد الذي يأتي بالهدوء وبنوع من الإستقرار يبقى في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة خصوصاً القرار 1701”.
وأعلنوا “أمام الأخطار التي تهدّد الوطن وهول الحرب الدائرة في جنوب لبنان، ولأن الدولة يجب أن تكون حاضرة بكل مؤسساتها وأجهزتها لمواجهة هذا الواقع المصيري، نجدّد مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة إلى عقد جلسة نيابية بدورات متتالية حتى إنتخاب الرئيس، كما يدعون كل الكتل النيابية للمشاركة في هذه العملية الدستورية الأساسية”.
من جانبه، عبّر رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” #سمير جعجع، عن “أعمق مشاعر التعاطف مع اللبنانيين الجنوبيين، خصوصاً أهالي القرى الحدودية، الذين منذ عشرة أشهر وحتى اليوم، لم يعرفوا النوم أو لحظة سكينة، هذا إن لم يسقط لهم شهيد”. واختصر جعجع حياتهم بأنها “جحيم”. وتساءل عن “سبب هذه المعاناة وما هو مبررها وعن ضرورات الأمن القومي اللبناني التي دفعت البلاد إلى هذا الواقع”. وشدّد جعجع على “أن المعاناة كلها التي يعيشها أهل الجنوب اليوم مرتبطة بالأمن القومي الإيراني”، محذراً من “أن الحرب الحالية ستنتهي بنتائج كارثية على لبنان وأن المسؤولين عن بدء العمليات العسكرية في جنوب لبنان يتحملون مسؤولية هذه الخسائر كلها”.
التصعيد المتواصل
على الصعيد الميداني، تواصل التصعيد بلا تراجع واستهدفت غارة إسرائيلية بصاروخ دراجة نارية بعد ظهر أمس في بلدة #جويا في الجنوب، وأدت الغارة إلى مقتل شخصين وجرح سبعة نقلوا إلى مستشفى جبل عامل، من بينهم ثلاثة عولجوا في الطوارئ والأربعة الآخرون احتاجوا الدخول إلى المستشفى وحالتهم مستقرة. والقتيلان هما: #حسن فارس جشي و#محمد حسن شومر. ونعى “حزب الله” جشي فيما وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه قائد وحدة الصواريخ المضادة للدبابات في “حزب الله”.
كذلك استهدف قصف مدفعي إسرائيلي أطراف بلدة الناقورة. وأغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بلدة عيترون، وأدت الغارة إلى إصابة شخصين بجروح. وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة أن قصفاً مدفعياً فوسفورياً استهدف بلدة شبعا أدى إلى إصابة مواطن بحالة اختناق استدعت دخوله إلى طوارئ مستشفى مرجعيون الحكومي للعلاج. وخرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت على دفعتين فوق بيروت وجبل لبنان وبشامون وعرمون وخلدة والشويفات واقليم الخروب.
في المقابل، أعلن “حزب الله ” استهدافه موقع الراهب وموقع جلّ العلام وشنّ هجوم جوي بسرب من المسيرات الانقضاضية على مرابض مدفعية إسرائيلية في الناعورة ومن ثم استهداف موقع السماقة في تلال كفرشوبا.