شحنَ تسابق الأولويات المتزاحمة في الواقع اللبناني، وسط “جرجرة” تنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل والعدّ العكسي لموعد 9 كانون الثاني الانتخابي الرئاسي وسط تطورات متسارعة بدا أبرزها في اعلان ما يمكن وصفه بـ”كلمة السر” الجنبلاطية الداعمة لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، والانشغال بتداعيات الحدث السوري الضخم على لبنان، المشهد السياسي الداخلي بحيوية استثنائية عالية صار معها لبنان بأسره تحت وطأة إعادة رسم شاملة غير مسبوقة. وإذا كان استحقاق 9 كانون الثاني يتقدم بوهجه كل “مسارات” الأولويات الأخرى الموازية، فإن “اندفاعاً” لافتاً نحو الشأن السوري – اللبناني في ظل المرحلة الانتقالية التي تشهدها سوريا بدأ يتصاعد على المشهد. وجاءت ترجمة هذا الاندفاع من خلال استحواذ تفاعلات الحدث السوري على الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس مع وفد وزاري لأنقرة حيث أجرى محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأما على الصعيد السياسي، فإن الاستعدادات جارية لقيام وفد درزي لبناني كبير يتقدمه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بزيارة لدمشق الأحد المقبل للقاء قائد “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع التي تولّت السلطة في سوريا، بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد. ومعلوم أن جنبلاط كان أول زعيم ومسؤول لبناني يتصل بالشرع لتهنئته وسيكون أيضاً أول زعيم ومسؤول لبناني يتجه إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد ويضم الوفد إلى جانب جنبلاط شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى ونواب كتلة “اللقاء الديموقراطي” وقياديين من الحزب ومشايخ من الطائفة الدرزية.
وترقبت الأوساط السياسية والمرشحون الرئاسيون باهتمام إعلاناً مرتقباً لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بانسحابه من المعركة الرئاسية انعكاساً لتطورين كبيرين حصلا تباعاً لغير مصلحته وتمثلا في تداعيات الخسائر التي تلقاها “حزب الله” في الحرب مع إسرائيل وسقوط النظام السوري وهما الحليفان الأساسيان لفرنجية. وفي كلمته مساءً أمام كوادر تياره لم يعلن فرنجية انسحابه بوضوح ولكنه قال “إنه طرح تصوّره الرئاسي وطرح بعض الأسماء ودخل بالمعايير على أساس رئيس لديه حيثية، لذلك نريد رئيساً على قدر الموقع وأنا مستمر (في الترشيح) وإذا وصلنا في جلسة 9 الشهر وإذا اتفقنا على اسم على قدر المرحلة فلنمضِ وأنا مستعد للتنازل من أجل أحد يعبئ هذا المركز المسيحي الأول… نريد رجلاً بحجم رفيق الحريري مسيحي لرئاسة الجمهورية”.
ولكن المفاجأة حصلت قبيل كلمة فرنجية بساعات إذ أعلنت كتلة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط وحضور وليد جنبلاط تأييدها لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، وشكل إعلانها هذا دلالة كبيرة إذ نظرت إليه أوساط كثيرة بأنه بمثابة اطلاق لـ”كلمة سر” دافعة نحو تزكية واسعة لانتخاب عون. وتزامن ذلك مع أجواء نقلت عن رئيس مجلس النواب نبيه بري تشير إلى أنه يعتبر أن صعوبة لا تزال أمام انتخاب قائد الجيش هي أنه يحتاج إلى تعديل دستوري.
وإذ نشطت حركة المرشحين بين المقار السياسية وبكركي، عقدت قوى المعارضة اجتماعًا في مقر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ولم تعلن بعد موقفها من أي مرشح بل أوضحت على الأثر أنها “تقارب جلسة التاسع من كانون الثاني بجدية مطلقة وتعتبر أن التعاطي مع الاستحقاق بما يستلزم من إرادة، يجب أن يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقدمة لإنقاذ لبنان شرط الابتعاد عن النهج الذي كان سائداً طوال فترة التعطيل والذهاب إلى اختيار شخصية قادرة على قياس متطلبات المرحلة”. وأكد المجتمعون “أن أمام الرئيس المقبل مهمة احترام وتطبيق الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني والقرارات الدولية الضامنة للسيادة، واستعادة علاقات لبنان العربية والدولية ما يعيد الثقة به، وتطبيق كامل لاتفاق وقف إطلاق النار ما يحتّم حصر السلاح بيد القوى الشرعية الدستورية على كامل الأراضي اللبنانية وشمال الليطاني كما جنوبه”.
وتلقى رئيس مجلس النواب نبيه بري رسالة من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل نقلها النائب الياس حنكش، في حين أكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى أن “بري لا يضع فيتو على أي مرشّح للرئاسة”، وبالنسبة إلى قبول رئيس المجلس دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، قال “إنّ الموضوع الأهم هو تلبية حاجات البلد في المرحلة المقبلة نتيجة تراكم الأزمات والتغيّرات في المنطقة وهذا الأمر يتقدّم على أهمية الأسماء”. وأوضح أنّ “حزب الله لم يبلّغ الرئيس بري موقفه من الخيارات الرئاسية بعد”.
ميقاتي وأردوغان والجنوب
أما على جبهة التطورات المتصلة بالوضع على الحدود الجنوبية وعلى وقع الخروقات الإسرائيلية المستمرة لاتفاق وقف النار، فأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن “الخروقات اليومية التي يقوم بها العدو الإسرائيلي مخالفة لاتفاق وقف اطلاق النار”، وقال: “إن دعمكم أساسي بتعجيل وقف العدوان والانصراف إلى ترميم المجتمعات المتضررة”. ومن جهته أكد أردوغان أن “إسرائيل تجرّ المنطقة إلى الهاوية بمهاجمتها لبنان وغزة وسنقف أمام أي محاولات لزعزعة الاستقرار في لبنان”.
أردوغان وميقاتي في مؤتمرهما الصحافي في أنقرة أمس.
وفي غضون ذلك عقد اجتماع لجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في رأس الناقورة.وصدر بيان مشترك عن سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان وعن اليونيفيل بعد الاجتماع أفاد بأن “الولايات المتحدة وفرنسا واليونيفيل والجيش اللبناني وقوات الدفاع الإسرائيلية اجتمعت مرة أخرى في 18 كانون الأول في الناقورة. استضافت قوات اليونيفيل الاجتماع الذي انعقد برئاسة الولايات المتحدة، بمساعدة فرنسا، وبمشاركة الجيش اللبناني وقوات الدفاع الإسرائيلية. سوف تجتمع لجنة الإشراف بهذه الطريقة بانتظام وستنسّق عملها بشكل وثيق لتحقيق التقدّم في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701″.
وتزامن الاجتماع مع تواصل عمليات التفجير التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لمنازل في منطقة طير حرفا، الجبين وشيحين في قضاء صور وقد سمع دوي الانفجارات إلى صور، فيما يستمر الجيش الإسرائيلي بتفجير المنازل الذي يحتلها في القرى الحدودية ويمعن في هدمها كلياً. كما استمرت الجرافات الإسرائيلية لليوم الثالث بهدم أحياء في بلدة الناقورة جنوب صور. وأفيد بعد الظهر عن توغل ملحوظ لدبابات الجيش الاسرائيلي إلى بلدة بني حيان، وقام جنوده برمي قنابل على منازل في البلدة بعد جرف منزل وهدم حائط المسجد ومحاصرته. كما قاموا بعمليات تمشيط واسعة بالأسلحة الرشاشة.
إلى ذلك، كشف الجيش الإسرائيلي عن عبور مواطنين إسرائيليين الحدود إلى لبنان، لافتاً إلى أنهم نصبوا خياماً في منطقة مارون الراس و”التحقيق جار في هذا الحادث الخطير”.