عكست التحركات واللقاءات السياسية كما الاطلالات الاعلامية الكثيفة التي حصلت امس صورة الارباك الواسع الذي أصاب المسؤولين والقوى السياسية جراء تسابق أزمتين باتتا متداخلتين على نحو واضح الامر الذي استلزم استنفارا سياسيا لاحتواء التداعيات المتسارعة لكل منهما. ذلك ان ازمة قانون الانتخاب غدت استحقاقا “خارجاً على المهل” القانونية تماما مع سقوط المهلة الثانية لدعوة الهيئات الناخبة سواء في 19 آذار الجاري أو في 21 منه ( اي اليوم ) الامر الذي اضفى على الازمة وجها شديد القتامة على رغم كل المحاولات لتلطيف المأزق وتقليل خطورة “السباحة” عكس الأصول القانونية. كما ان أزمة سلسلة الرتب والرواتب ومشتقاتها المتعلقة بالواردات والضرائب واعادة ربطها بالموازنة أوجد واقعاً يخشى ان يكون اكثر تعقيداً من الفترة السابقة.
وفي ظل الأزمتين المتشابكتين لم يكن خافياً ان انطلاق موجات التحركات الاحتجاجية قد تركت آثاراً واضحة من حيث تبديل المسار السياسي والرسمي للتعامل مع التداعيات الاجتماعية التي اطلقتها هذه التحركات ولم يكن أدل على ذلك من معالم الحمى التي طبعت المشهد السياسي أمس سعياً الى لملمة الارباك الذي زاده تفاقماً مرور المهلة الاخيرة من مهل قانون الستين تمهيداً لاجراء الانتخابات النيابية على اساسه. وبدا من خلال اللقاءين اللذين عقدهما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس الوزراء سعد الحريري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وما اعلنه كل من الحريري والمشنوق ان ثمة تفاهماً على التسليم بسقوط قانون الستين وتزخيم عملية البحث في تأجيل تقني للانتخابات ضمن قانون انتخاب جديد وتجنب حصول الفراغ في مجلس النواب.
أما على صعيد ملف سلسلة الرتب والرواتب ووارداتها فيتناول التفاهم سحب الحكومة الملف والعمل على ضمه في سلة واحدة الى الموازنة قبل اقرارها واحالتها على مجلس النواب، وهما الملفان اللذان عرضهما الحريري ليلاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لدى زيارته عين التينة. وتفيد المعلومات المتوافرة لدى “النهار” أن الرئيس عون شدد أمام الحريري والمشنوق على ان التأجيل التقني لا يمكن ان يتجاوز الخمسة أشهر حداً اقصى مع تشديد مماثل على حتمية وضع قانون انتخاب جديد. واذ تشير المعطيات الاخيرة الى ان النظام النسبي بات مرتكزاً اساسياً لأي قانون جديد أيا تكن صيغة القانون او نسبة النسبية فيه، فان المعلومات التي رشحت الى “النهار” عن اللقاء الذي جمع ممثلي “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحركة “امل” و”تيار المستقبل” عشية سفر وزير الخارجية جبران باسيل الى واشنطن عززت الاتجاه الى توسيع النسبية في اي مشروع انتخابي. وتفيد المعلومات ان ممثلي الثنائي الشيعي سلما باسيل ورقة تضمنت أربع ملاحظات على المشروع الاخير الذي طرحه والذي يلحظ نظامين انتخابيين الاول اكثري في الاقضية بموجب “القانون الارثوذكسي” والثاني نسبي على دوائر متوسطة وتمسكا من خلالها بالنسبية الكاملة على دائرة واحدة بالاضافة الى ملاحظات أخرى.
لكن الرئيس الحريري حرص عقب لقائه الرئيس عون على التأكيد ان “هناك حواراً ايجابياً جداً وسنصل الى حل “. وقال: “صحيح ان البعض قلق من اقترابنا من مواعيد دستورية باتت حرجة ولكنني على ثقة من اننا سنصل الى قانون يرضي تمثيل اللبنانيين ونكون تخطينا هذه الفترة باقل قدر من المشاكل “. وكرر انفتاح “تيار المستقبل” على كل المشاريع ” لاننا لا نريد ان نشكل عقبة في هذا المجال“.
أما الوزير المشنوق، فلمح بوضوح الى امكان التوصل الى قانون جديد خلال شهر نيسان المقبل “لان الامور لا تحتاج الى أكثر من ذلك بعد كل التطورات الحاصلة في الموضوع “.
رؤساء الحكومات
وفي سياق المناخ السياسي الذي يواكب الازمة، استرعى الانتباه امس التقارب الحاصل بين الرئيس الحريري والرئيس نجيب ميقاتي اذ جمعتهما مناسبتان في اليوم نفسه، الاولى لدى استضافة الحريري رؤساء الوزراء السابقين ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام الى غداء في “بيت الوسط “، والثانية لدى رعاية الحريري احتفالاً نظمته “جمعية العزم ” التي يرأسها ميقاتي مساء في جامع محمد الامين لاطلاق جائزة لحفظ القرآن وتجويده. وتبادل الحريري وميقاتي في الاحتفال المسائي رسائل التقارب. كما ان الاوساط المعنية في “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” ابدت ارتياحها الى التنسيق الذي اتسم به اللقاء الذي جمع الحريري ورئيس حزب “القوات ” سمير جعجع ليل الاحد والذي تناول ملفي قانون الانتخاب والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب. واعلن جعجع في مؤتمر صحافي امس عناوين خطة اقتصادية ومالية سيطرحها وزراء “القوات” داخل الحكومة.
ومساء أمس عقدت جلسة الحوار الـ41 بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” في عين التينة وصدر عنها البيان الاتي: “استكمل المجتمعون النقاش حول التحضيرات لقانون الانتخابات، وأكدوا ضرورة اقراره بالسرعة الممكنة ورفضهم القاطع للوصول الى الفراغ في المجلس النيابي لما له من تداعيات خطيرة على الاوضاع ودعوا كل القوى الى استمرار التشاور للوصول الى قانون جديد. كما تطرق البحث الى الملفات المالية والمعيشية و ضرورة مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في نقاش هادئ وموضوعي للوصول الى حلول تجنّب ذوي الدخل المحدود اي اضرار، و تساعد على قيام الدولة بواجباتها المالية“.
الحريري الى القاهرة
ويبدأ الحريري اليوم زيارة رسمية لمصر يلتقي خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء شريف اسماعيل والانبا تواضروس الثاني وشيخ الأزهر أحمد طيب، وعددا من المسؤولين.ويشارك الحريري خلال الزيارة نظيره المصري في رئاسة أعمال اللجنة العليا اللبنانية – المصرية المشتركة كما يلقي كلمة في ملتقى رجال الأعمال اللبناني – المصري. ويرافق الحريري في زيارته وفد وزاري كبير.
وكان عقد أمس اجتماع موسع في السرايا برئاسة الحريري ضم ممثلي وسفراء المنظمات الدولية والدول المانحة وعدد من الوزراء تناول ملف الالتزامات الدولية واللبنانية لمسألة النازحين السوريين قبل انعقاد مؤتمر بروكسيل الشهر المقبل.