IMLebanon

النهار: “نصف 7 أيار”… حذارِ الخراب!

 

لم يكن مشروع فتنة كاملة بل ربما “نصف فتنة”، كما لم تكن استعادة كاملة لعملية 7 أيار 2008 بل “نصف استعادة”، ولكن في الحالين وضع لبنان أمس أمام أسوأ نماذج المحاكاة للحرب الاهلية في المنطقة الأكثر قدرة على ايقاظ كوابيس الخوف لكونها شهدت عام 1975 اشتعال الشرارة الأولى للحرب. ولعل أسوأ ما عاشه سكان مثلث #الطيونة وعين الرمانة والشياح لساعات طويلة، ان كل عدّة الفتنة والحرب الاهلية كانت حاضرة امامهم، بل ان اللبنانيين جميعاً شهدوا ساعات القلق والذعر من خلال فرق القنص او المسلحين وزخات الرصاص الكثيفة طوال ساعات من دون ان يعرفوا ماذا يجري حقيقة، ومن اشتبك مع الاخر، ومن بدأ الاشتباك، وكيف اشتعل، ومن يقف وراء مجمل هذه المحاولة الدامية الخبيثة التي خلفت ستة ضحايا وأكثر من 32 جريحا؟ كان المناخ ينبئ أساساً بتعبئة خطيرة لم تخفَ على أحد منذ خطاب السيد حسن نصرالله قبل ثلاثة أيام الذي اطلق في طول البلاد وعرضها نذير شيء خطير كان يجري التحضير له ووصفه السيد نصرالله نفسه بانه كارثة، فصحّ وعيده امس، ولكن وسط محاولات رمي الثنائي الشيعي تبعة إسالة الدماء على “#القوات اللبنانية”. واذا كانت الحقيقة والوقائع الدامغة في مجريات ما حصل تنتظر كلمة الجيش والأجهزة القضائية، اذا قيّض لها ان تكشف حقيقة كلّ ما حصل، فانه لا يمكن تجاهل الدلالات التي اكتسبتها كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون مساء امس متضمنة مواقف لافتة من ممارسات “التهديد والوعيد واخذ لبنان رهينة والتمسك بالتحقيق العدلي والتشدد في رفض إعادة عقارب السلم إلى الوراء”.

 

ذلك أنه بعد التجييش الواسع لما سمي “اليوم الكبير” بحيث دعا قياديو الثنائي الشيعي “امل” و”#حزب الله” عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي مناصريهم إلى الاستنفار التام تحضيراً للتحرك ضد المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، حصل ما خشي منه كثيرون وأشعلت مظاهر التعبئة والسلاح التي طبعت تحرك مجموعات مسلحة منهم، بل مدججة بالسلاح، ومحاولتها الدخول إلى مناطق حساسة في عين الرمانة، الأمر الذي اشاع الفوضى المسلحة في الشارع بعد ان انتشر المسلحون والملثمون واشعلوا الوضع انطلاقا من الطيونة، فوقع قتلى وجرحى.. وسجّل لساعات طويلة إطلاق نيران وقذائف في عين الرمانة والطيونة والشياح، وانتشر قناصون على السطوح، ما حاصر السكان العزل في بيوتهم والتلاميذ في مدارسهم، فيما عمل الجيش على التهدئة أولا وعلى الانتشار الكثيف لاحقا واوقف الجيش تسعة اشخاص بينهم سوري.

 

والأخطر في تداعيات ما حصل، ان قيادتي “حزب الله” و”#حركة أمل” بعدما زجتا بمجموعات ميليشيوية في ما كان يفترض انه تعبير سلمي عن الرأي، سارعتا إلى توجيه الاتهام إلى “مجموعات من حزب القوات اللبنانية التي إنتشرت في الاحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد مما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى”. وسارع حزب “القوات اللبنانية”، إلى دعوة الجيش لكشف ما جرى ونفى اتهام قيادتي “حزب الله” و “حركة أمل” لها وطالب الأجهزة المختصة بتحديد المسؤوليات بشكل واضح وصريح مؤكداً “إنّ اتهام “القوات اللبنانية” مرفوض جملة وتفصيلا، وهو اتّهام باطل والغاية منه حرف الأنظار عن اجتياح “حزب الله” لهذه المنطقة وسائر المناطق في أوقات سابقة”.

صدر عن الدائرة الإعلامية في حزب “القوات اللبنانية” البيان الآتي:

ولاحقاً، نفت الدائرة الإعلامية في حزب “القوات اللبنانية” نفيًا تامًّا “كامل الرواية التضليليّة والمفبركة لمحطتي “المنار” و”الميادين” التي تحدّثت عن مجموعات قواتيّة من بينها بيار جبور وغيره، وتؤكّد أنّ هذه الرواية من مخيّلة المطابخ التابعة لهذه الوسائل الإعلاميّة ولا صحّة لها إطلاقًا، والأفضل انتظار التحقيقات بدلا من فبركة الأخبار الملفّقة وتعميمها، خصوصًا أنّ القاصي والداني يعلمان بالصوت والصورة والوقائع، ما حصل على أرض الواقع من انتشار مسلح لحزب الله والتعرض للمواطنين الآمنين بهدف إسقاط العدالة”.

عون: لن نرضخ

أما مواقف عون فجاءت في رسالة مقتضبة وجهها مساء معلناً فيها

“إنّ ما جرى اليوم، ليس مقبولأً، خصوصاً في وقت ارتضى الجميع الاحتكام إلى دولة القانون والمؤسسات. وإنّ الشارع ليس مكان الاعتراض، كما انّ نصب المتاريس أو المواقف التصعيديّة لا تحمل هي الأخرى الحل. وما من أمر لا حلّ له، وحلّه ليس الّا من ضمن المؤسسات وكذلك من خلال الدستور الذي ما من أمر يُعلى عليه، لا التهديد ولا الوعيد.”. وقال “أجريت اليوم اتصالات مع الاطراف المعنيّة لمعالجة ما حصل، والأهمّ لمنع تكراره مرة تانية، علماً انّه لن نسمح بأن يتكرّر تحت أي ظرف كان. والقوى العسكرية والأمنية قامت وستقوم بواجباتها في حماية الامن والاستقرار والسلم الأهلي. ولن نسمح لأحد بأن ياخذ البلد رهينة مصالحه الخاصة أو حساباته”. وشدد على “إنّ ما حصل سيكون موضع متابعة أمنيّة وقضائيّة. وانا، من جهتي، سأسهر على ان يبلغ التحقيق حقيقة ما جرى، وصولاً إلى محاسبة المسؤولين عنه والمحرّضين عليه، مثله مثل أيّ تحقيق قضائيّ آخر، بما فيه التحقيق في جريمة المرفأ، التي كانت وستبقى من أولويات عملي والتزامي تجاه اللبنانييّن والمجتمع الدولي، على حدٍّ سواء، على قاعدة استقلاليّة القضاء وفصل السلطات واحترام العدالة “. وطمأن “اللبنانييّن انّ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ونحن ذاهبون بإتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة. وإنني بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب لن نتساهل ولن نستسلم إلى أيّ أمر واقع يمكن ان يكون هدفه الفتنة التي يرفضها جميع اللبنانيين.”

 

وعلم ان الرئيس عون اتصل بالرئيس نبيه بري كما اتصل برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في إطار معالجة ذيول الحوادث التي جرت واطلع من قائد الجيش العماد جوزف عون على الإجراءات التي أدت إلى سحب المسلحين من الشارع وإعادة الأمن والهدوء.

 

وفي ردود الفعل الداخلية، ناشد الرئيس سعد الحريري “الجميع اعتماد الحوار وسيلة لحل المشاكل ورفض الانجرار إلى الفتنة التي قد تجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه” ودعا الجيش والقوى الامنية إلى اتخاذ اقصى الاجراءات والتدابير لمنع كل اشكال إطلاق النار وتوقيف المسلحين وحماية المدنيين ومنع الاعتداء عليهم وحماية الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السلم الأهلي”.

 

جنبلاط

أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فقال لـ”النهار” ” لم نعد إلى الجحيم، ونحتاج لغة العقل والحوار”. واضاف: “نختلف في لبنان على سلاح الحزب وقد وضعنا آلية لمناقشة هذا السلاح، ووضعت أسس لاستجرار الغاز ولا أمانع محاورة سوريا لاتمام مسألة الكهرباء وإراحة المواطن… يريد المجتمع الغربي تحميل لبنان وحده مسؤولية تحقيق العدالة في قضية المرفأ، فلتتفضّل الدول الغربية وتقدّم ما لديها من معلومات عن دخول النيترات”.

 

وعن أحداث الطيونة أشار جنبلاط إلى أنه “من حق اللبناني أن يتظاهر”، مديناً “استهداف المتظاهرين من القناصين”، ومعوّلاً على تحقيق في هذا السياق.

وعن أزمة التحقيق، اعتبر أنه من حق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار “أن يحقق بكل هدوء مع الجميع من دون استثناء ونعود إلى حكم القضاء، وهنا أيضاً دور المعلومات التي نريدها من المجتمع الدولي”.

 

وعن مخرج منتظر للأزمة، عوّل “على حكمة الرئيس بري الذي اتصلت به معزياً بمناصريه وهنا أهمية هدوء الأعصاب”.

 

ووجّه نداءً إلى اللبنانيين، قائلاً: “اختبرتُ في الماضي (الحرب) وتجاوزت السبعين من العمر، وأدري كيف أدخلتنا البوسطة في المتاهة. فلا نكرّر هذا الأمر، وأذكّر بمسعى الامام موسى الصدر حين كان يريد ملاقاة داني شمعون، وأفشلت يدٌ اللقاء”

وفي المقابل فان “التيار الوطني الحر” اعتبر ما جرى أمس اعتداء مسلحا مرفوضا على أناس أرادوا التعبير عن رأيهم ولو كنا لا نوافقهم على هذا الرأي “.

نولاند

ولعل اللافت ان التطورات الدامية هذه تزامنت مع زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي فكتوريا نولاند لبيروت حيث جالت على الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية وعقدت مؤتمرا صحافيا بعد الظهر في مطار رفيق الحريري الدولي قبيل مغادرتها بحضور السفيرة الأميركية دورثي شيا.

 

واعلنت: “اننا جئنا إلى لبنان اليوم بناء على طلب الرئيس جو بايدن والوزيرين بلينكين ويلين، مع وفد مشترك بين الوكالات يضم وزارتي الخارجية والمالية، بهدف لقاء قادة الحكومات والمجتمع المدني بعد أسابيع من تشكيل حكومة جديدة، ومن أجل التعبير عن دعمنا لتطلعات الشعب اللّبناني في الأمن والاستقرار الاقتصادي والحكم الشفاف والمسؤول”.

 

وأضافت: “لطالما تعدى الإرهابيون واللصوص على آمال اللبنانيين لفترات طويلة. وبعد سنوات من المعاناة، يستحق اللبنانيون جميعهم الأفضل، فالمهمة التي تنتظرنا شاقة للغاية، لكننا نقف بجانب لبنان وجهوده الجادة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والخدمات الأساسية بما في ذلك الكهرباء والرعاية الصحية والتعليم بهدف إعادة هذا البلد إلى مسار مستدام واستعادة الازدهار”.

 

وقالت: “أكدنا اليوم في اجتماعاتنا أهمية الشفافية الكاملة والسجلات المفتوحة في الوقت الذي يعيد لبنان فيه الانخراط مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. يستحق اللبنانيون أن يعرفوا مصير أموالهم وأن يثقوا بمستقبلهم الاقتصادي. كما حثثنا على الحيطة والمساءلة في استخدام لبنان لأكثر من مليار دولار في ما يتعلّق بحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، فهذه الأموال ملك للبنانيين ويجب استخدامها لمصلحتهم”. وأكدت “أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال الربيع المقبل”. وأعلنت “دعما أميركيا إضافيا جديدا بقيمة 67 مليون دولار للجيش اللبناني ليصل إجمالي دعمنا هذا العام إلى 187 مليون دولار”، وقالت: “كما قدمنا أكثر من 300 مليون دولار كدعم إنساني للبنان هذا العام”. وكررت “لا يستحق كل من الشعب اللّبناني وضحايا وعائلات الذين فقدوا في انفجار المرفأ، إلا ما هو أفضل لهم، فالعنف غير المقبول اليوم هو لمحة عما سنواجهه من مخاطر”.