بعد ثلاثة ايام، يبدأ الأسبوع الثالث على ازمة حكومية لا يبدو ان ثمة مؤشرات عاجلة على نهايتها بعدما عاجلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في أول دربها، ولجمت اندفاعتها من خلال شرط قسري وضعه الثنائي الشيعي، وشلّ جلسات مجلس الوزراء، بإقصاء المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. واذا كانت دائرة التفاقم والتدهور زادت بوتيرة دراماتيكية بعد احداث الطيونة وعين الرمانة، وضاعفت أجواء الانسداد السياسي، فإن المضي في حملات الشحن والتوتير والهجمات الكلامية والاتهامية على ما برز في اليومين الأخيرين، وضع الحكومة أمام أمر واقع قهري وخطير، في ظل بدء ظهور مخاوف داخلية وخارجية على فراغ من نوع جديد، من شأنه ان يطيح الفرصة الوحيدة المتاحة أمام #لبنان للحصول على انعاش ودعم عاجلين، لئلا تنفلت بقايا الصمود النادرة المتبقية أمام الانهيارات التي تتربص باللبنانيين. ويبذل رئيس الحكومة محاولات كثيفة وجدية لاعادة احياء جلسات مجلس الوزراء من دون ان يتسبب بمشكلة مع الثنائي الشيعي، لكن اي نتائج حاسمة إيجابية لهذه الجهود لم تتبلور بعد، لا بل ان مضي “حزب الله” في حملاته التصعيدية ضد القاضي البيطار و”القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع، ترك انطباعات ثابتة بان الحزب ورّط نفسه في خانة لم يعد سهلاً عليه التراجع عنها خصوصا بعد تصاعد التداعيات المناهضة لهجماته والتي اتخذت بعداً وحجماً كبيرين ودقيقين للغاية في ظل المواقف البارزة والحاسمة التي أعلنها تباعاً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي وميتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة بما يملي التوقف عندها بإمعان. كما ان جانبا أخر طارئا من التوترات السياسية تصاعد في اليومين الأخيرين مع رد رئيس الجمهورية ميشال عون قانون التعديلات على قانون الانتخاب الذي اقرّه مجلس النواب في جلسته الأخيرة، وهو رد اثار تشنجاً واسعاً بين “التيار الوطني الحر” وقوى أخرى، ولا سيما بينه وبين حركة”امل”، وسيشهد الأسبوع الحالي تطورات متعاقبة في هذا الملف مع جلسة اللجان النيابية المشتركة غدا أولا، ومن ثم في الجلسة التشريعية التي سيعقدها المجلس لبت الخلاف وسط ترجيحات بان المجلس سيعاود تثبيت بند اقتراع المغتربين للـ 128 نائبا وعدم تخصيصهم بستة نواب. ولكن ثمة مشاورات واسعة حول إعادة البحث في بند تقديم موعد الانتخابات إلى 27 آذار وان المشاورات تتناول امكان التوافق العام على اعتماد منتصف أيار أي بعد انتهاء شهر رمضان موعداً للانتخابات.
موقف فرنسا
وقبل الخوض في المشهد الداخلي، بدا من الأهمية بمكان ان تظهر مجدداً معالم تشاؤم خارجية بدءا بباريس حيال الوضع في لبنان. اذ نقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصادر فرنسية رفيعة إعرابها عن رؤيتها التشاؤمية ازاء الاداء الحكومي اللبناني إلى الآن. وقالت ان الديبلوماسي الفرنسي بيار دوكان المنسق الفرنسي للمساعدات الدولية للبنان اكد للمسؤولين اللبنانيين خلال اجتماعاته بهم انهم لن يحصلوا على اي مساعدات طالما لم تبدأ الدولة اللبنانية في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. ورأت هذه المصادر ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم تقم بعد بأي اصلاح، علما ان باريس داعمة لجهود ميقاتي، ولكن لبنان لا يزال على طريق الانزلاق وقد يشهد مزيداً من التدهور اذا بقيت الامور بطيئة والصعود والخروج من الازمة قد يكونان طويلين جدا في حين ان التدهور يمضي بسرعة. وكلما تفاقمت الازمة كلما زاد الانقسام بين اللبنانيين بما يفاقم المخاطر. وخلصت المصادر إلى ان المطلوب من المسؤولين اللبنانيين ان يكونوا مدركين للمصلحة العامة للشعب اللبناني وطالما يستمرون على اقتناعهم بان الخروج من الازمة ليس لمصلحتهم فلن يتحركوا. وباريس مدركة للتعقيدات والمصاعب التي يواجهها ميقاتي ولكنها تعول على دفع المسؤولين اللبنانيين إلى الاسراع في العمل بدءاً بالتفاوض مع صندوق النقد الذي يتيح للبلد ان يحصل على معونات لدعم الاصلاحات والا استمر الانهيار.
الراعي وعودة
أما على الصعيد الداخلي، فان المواقف التي أعلنها كل من البطريرك الراعي والمطران عودة بدت بمثابة رسم لخط احمر، ليس مسيحياً فحسب، بل وطنيا عاما، أمام الانجراف الخطير في التعامل مع ملف احداث الطيونة وعين الرمانة وتمظهر نيات واضحة للاقتصاص من فريق ومنطقة يعتبران مستهدفين بما جرى أساساً. وعبر البطريرك الراعي في عظة القاها مساء السبت في افتتاح مسيرة السينودس للأساقفة في الكنيسة المارونية عن موقفه قائلا “جميعُ المغامراتِ سَقطت في لبنان، ولو ظنَّ أصحابُها، في بعضِ مراحلِها، أنّها قابلةُ النجاح. إنّ الدولة بشرعيّتها ومؤسّساتها وقضائها مدعوّةٌ إلى حمايةِ شعبِها ومنعِ التعدّي عليه، إلى التصرّفِ بحكمةٍ وعدالةٍ وحياديّة، فلا تورِّطُ القضاءَ وتُعرِّضَ السلمَ الأهليَّ للخطر إذ أنَّ الظلمَ يولِّدُ القهرَ، والقهرُ يولِّدُ الانفجار. إنّ القضاءِ هو علاجُ الأحداثِ لا المسببّ لها. لا نَقْبلُ، ونحن المؤمنين بالعدالةِ، أن يَتحوّلَ من دافعَ عن كرامتِه وأمنِ بيئتِه لُقمةً سائغةً ومَكسرَ عصا. هؤلاء، مع غيرِهم، حافظوا على لبنانَ وقدّموا في سبيلِ وِحدتِه وسيادتِه ألوفَ الشهداء. نريد عدلًا في السويّةِ والرعيّة ولا ظلمًا في أي مكان “.
وبدوره اطلق المطران عودة مواقف حملت دلالات كبيرة اذ اعتبر “أن الخوف من دينونة العدالة ومحاولة التهرب من الإدلاء بالشهادة حرك الممسوسين بشياطين الفساد، وجعلهم يختارون ظلمة الحرب والشقاق والقتل والتهويل، واقتحام المناطق الآمنة، وترهيب أهلها وطلاب مدارسها واتهام المدافعين عن أنفسهم بأنهم المعتدون والقتلة، بدلا من أن يفرحوا بالحق وإرساء قواعد القضاء النزيه المستقل العادل”. وأضاف “كانوا ينادون بالحقيقة والعدالة، لكن ما إن لاحت بوادرها، حتى ارتاعوا وشمروا عن سواعدهم لوأدها قبل أن تظهر إلى العلن، وتطيح المسؤولين الفعليين عن خراب البلد وتفجيره وإحراقه وانهياره إقتصاديا وأمنيا وبيئيا وتربويا وصحيا وأخلاقيا. عندما بدأ النور يبزغ بصمت وخفر، فوجئنا بالظلمة تدهمه بضجة خطابية تارة، وأزيز مرعب طوراً، واختلاق ملفات أحياناً، ترهيب قمعي دائماً، ومحاولة النيل من كل من يتجرأ على الانتقاد أو الرفض أو المواجهة، بغية التذكير بأن الشيطان هو سيد هذا العالم. لكننا نذكرهم بأن المسيح طرده بصلبه وموته وقيامته”.
وأعلن ان “أهل بيروت لن يسكتوا ولن يتراجعوا عن مطالبتهم بالحقيقة ولن يقبلوا بأن تكون العدالة انتقائية. وعلى الجميع أن يكونوا تحت القانون وفي خدمة العدالة. وبدون عدالة لن تكون دولة”.
تصعيد الحزب
غير ان “حزب الله” صعّد حملاته على المحقق العدلي و”القوات اللبنانية ” وسط أجواء إعلامية بالغة العنف بين نواب ومسؤولين من الحزب و”القوات”. وفيما يتصل بموقفه من البيطار ذهب نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في هجومه على البيطار إلى اعتباره “مشكلة حقيقية في لبنان، ولم يعد مأموناً على العدالة وهو يستنسب ويسيِّس التحقيقات بطريقة مكشوفة ومفضوحة، وآخر ما سمعنا أن أهالي الضحايا أصبحوا يرتابون منه، وأنه بسببه كادت تحصل فتنة كبيرة في الطيونة، وفي المنطقة”. وقال “الأفضل أن يرحل من أجل أن يستقر الوضع ومن أجل أن يحصل الناس على عدالة موصوفة لمعرفة الحقائق”.
وأفادت معلومات ان عددا من أهالي عين الرمانة الذين تضرروا من الهجمة على منطقتهم سيتقدمون اليوم بدعوى قضائية جزائية ضد الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله بعدما اكملوا ملفا كاملا مدعما بالشهادات والأدلة والشرائط المصورة التي تثبت الهجوم المتعمد على عين الرمانة.
في غضون ذلك جددت الهيئة السياسية لـ”التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل هجومها على “القوات اللبنانية” وأخذت بجريرتها حركة “امل ” فهاجمت ما وصفته بـ “المشهدية الفتنوية الميليشوية التي ظهرت في الطيونة بوجهيها الإستفزازي والإجرامي، والتي شهد اللبنانيون على تواطؤ وتناغم كتلتيها في مجلس النواب. وأكدت في المقابل “تمسكها بمشهدية تفاهم مار مخايل النقيض لثنائية تواطؤ الطيونة”. وأشعل ذلك رداً عنيفاً لحركة “أمل” على “التيار” والعهد معتبرة ان “التيار الوطني الحر لم يعد يخجل في بياناته من العيوب والمصائب التي أدخل فيها البلاد خلال عهده وصولا إلى قعر جهنم. وبات هذا التيار في ظل البطالة والإرباك السياسي والشعبي الذي يعيشه، يحاول الهروب وخلق سيناريوات وهمية وفاشلة من عقله المريض للتغطية على واقعه، وعلى ما ارتكبه من جرائم سياسية ومعيشية بحق اللبنانيين.”.