وسط تخبط أركان الدولة والحكومة في عجز فاضح عن اتخاذ “قرار سيادي” يدرأ عن لبنان التداعيات الكارثية لعاصفة الغضب الخليجية حياله، قرر “#حزب الله” ان يهدي حليفه رئيس الجمهورية #ميشال عون في ذكرى بدء السنة السادسة والأخيرة من عهده، عرض قوة من شأنه ان يثبت ان الحزب هو الحاكم بأمره، وهو صاحب القرار المطلق والسطوة الساحقة على الحكم والحكومة. وفيما اتجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى “الاستعانة” بالوساطات الغربية، ولا سيما منها الفرنسية والأميركية، علّها تفتح باباً للحوار مع الدول الخليجية لتخفيف وطأة العزلة التي بدأت تحكمها حول لبنان إجراءات المقاطعة الديبلوماسية والتجارية بداية، وفيما تصاعدت هذه الإجراءات منذرة بعزل قاس وطويل الأمد، جاء رد “حزب الله ” مزدوجاً عبر منع استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي حتى حين اتجه الاخير نفسه إلى الاستقالة، وزيادة وتيرة التحدي عبر رفع صور قرداحي في شوارع يمنية عبر الحوثيين وامام السفارة اللبنانية في طهران. واما المفارقة التي اثارت دلالات بالغة السلبية فتمثلت في ان الرئيس عون الذي “احتجب” امس عن ذكرى مرور خمس سنوات على انتخابه وتسلمه مهماته، فبدا غائبا تماماً عن مجريات صراع بات يتهدد لبنان بأوخم العواقب كإحدى النتائج الأساسية الخطيرة لواقع العهد المتحالف مع “حزب الله” وليس في غياب العهد عن اتخاذ قرار حاسم يعلن فيه رفضه جر لبنان إلى هذا المنقلب وردع أي فريق عن العبث بمصير لبنان وتسخيره لمصالح الارتباط بمحور إقليمي ينزع لبنان من محيطه ويتهدد مصالحه ومصالح أكثر من 500 الف لبناني يعملون في الدول الخليجية، سوى الاثبات الذي زود الدول الخليجية وغيرها الذريعة الأكبر للمضي في إجراءاتها.
حصل كل ذلك على وقع نهاية السنة الخامسة وبداية السنة السادسة من العهد، في وقت تتربص بالبلاد تداعيات الملفات الكارثية الأخرى التي، وان غابت ظرفيا عن واجهة المشهد الداخلي بعدما عصفت به انواء المقاطعة الخليجية غير المسبوقة للبنان، سرعان ما ستعود بتفاقم اشد سوءاً مع ترنح الحكومة أكثر فأكثر بعدما حولها الفيتو تلو الفيتو من “حزب الله” اشبه بحكومة تصريف اعمال هرمة قبل ان تتجاوز الأربعة أسابيع من عمرها.
قرداحي: لا استقالة
ولذا جاءت الحصيلة النهائية للمواجهة التي بدت الدولة، عهدا وحكومة، الطرف العاجز والأضعف فيها، بأن أعلن وزير الإعلام جورج قرداحي امس بشكل حاسم ان استقالته من الحكومة “غير واردة” وسط تدفق تصريحات نواب ومسؤولي “حزب الله” بالإشادة به وبرفض استقالته وبالهجوم على الإجراءات الخليجية.
وبدا الوضع الحكومي كأنه خرج من الإطار اللبناني – الخليجي الصرف بعدما تقرر “رسميا” ومن خلال وزير الخارجية عبد الله بو حبيب و”خلية الازمة” الوزارية دعوة بالقائم بالاعمال الأميركي في بيروت وإبلاغه طلباً رسمياً بتوسيط الولايات المتحدة مع دول الخليج لاحتواء الازمة، لكن الوزير نفسه نعى اللجنة ليلا في حديث إلى “الجديد” اذ قال “لم يعد هناك وجود للخلية التي “انتهى أمرها” نتيجة فشلها ونحن الآن جميعاً على اتصال مع ميقاتي. الخلية فشلت لأن الأزمة أصبحت أكبر من الوزارات وأكبر من لبنان بسبب عوامل خارجية وداخلية أيضاً وهي لن تجتمع مرة أخرى”.
وعلم ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيعزز اتصالاته اليوم وغدا على هامش مشاركته في قمة المناخ في غلاسكو في اسكوتلاندا مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن للطلب إليهما التدخل في احتواء الازمة مع دول الخليج.
#السعودية والإمارات
وقد بحث وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان الأوضاع في لبنان، بحسب ما جاء في تغريدة أمس لبلينكن.
وكرر الوزير السعودي تأكيده ان “الإشكالية في لبنان أكبر من تصريح وزير، وإنما تكمن في سيطرة وكلاء إيران، وعلى قادته ان يفيقوا”. أضاف: “لبنان بحاجة لمراجعة واصلاح شامل يُعيد له سيادته ومكانته في العالم العربي وسندعم أي جهود في هذا الاتجاه”.
كما أن السفير السعودي في لبنان وليد بخاري كتب امس على حسابه الخاص عبر “تويتر” :”أنّ المُخْطِئُ لا يَرْتَكِبُ الخَطِيئةَ إِلاَّ بِإرادةٍ مُسْتَتِرَة…” قالَها جُبران خليل جبران فسمِعها العالَم! ذلك هو أديبُ الكلمةِ”.
وبرزت الأولوية التي تعطيها المملكة العربية السعودية للتطورات مع لبنان من خلال توجيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز “تقديره وشكره لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لتضامن البلدين مع السعودية في أزمة تصريح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي”. في المقابل، اعتبر أمير الكويت أن ما اتخذته بلاده من إجراءات “تؤكد وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، وعمق الأخوة بين شعوبه كافة”. كما أجرى العاهل السعودي اتصالا بالملك حمد بن عيسى، عبر خلاله عن شكره نظير ما قامت به البحرين من إجراءات تجاه التصريح، و”بما يجسد تضامن السعودية والبحرين ويعكس وحدة دول مجلس التعاون الخليجي”. وجدد ملك البحرين تأكيده عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين، وتماسك دول مجلس التعاون الخليجي.
وكانت سبحة الإجراءات كرت من دول خليجية إضافية في حق لبنان. واستدعت وزارة الخارجية الكويتية، سفيرها من لبنان، وطلبت من السفير اللبناني لديها مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة. كما قرّرت دولة الإمارات المتحدة سحب ديبلوماسييها من لبنان ناصحة مواطنيها المقيمين بالسفر والاخرين بعدم السفر إليه. وأمس اصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا جاء فيه: ” نظرًا للأحداث الراهنة وبناءً على قرار منع سفر مواطني دولة الإمارات إلى لبنان والذي جاء تزامناً مع قرار سحب دولة الإمارات ديبلوماسييها من لبنان، تدعو وزارة الخارجية والتعاون الدولي جميع مواطنيها الموجودين في لبنان بضرورة العودة إلى دولة الإمارات في أقرب وقت”.
وفيما لم تتخذ قطر وسلطنة عُمان إجراءات مماثلة لتلك التي اخذتها الدول الخليجية الأربع الأخرى انتقدت قطر تصريحات وزير الإعلام اللبناني، فيما أعربت سلطنة عمان “عن أسفها العميق لتأزم العلاقات بين عدد من الدول العربية والجمهورية اللبنانية”، في معرض تعليقها على خلاف السعودية ولبنان.
وأجرى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب اتصالا هاتفياً بنظيره العُماني السيد بدر بو السعيدي “مثمّناً البيان الصادر عن وزارة الخارجية العُمانية بخصوص الأزمة الراهنة ومؤكداً أهمية الحوار والتفاهم لتجاوزها وحرص لبنان الشديد على أفضل العلاقات الأخويّة مع أشقّائه العرب والخليجيين”. كما أجري اتصالا مماثلا بنظيره القطري.
بكركي والإخفاق
ولعل اللافت في هذا السياق ان الاندفاع نحو الوساطة الأميركية والفرنسية جاء عقب الفشل في توسيط بكركي لاقناع رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية باعتباره المرجعية السياسية لوزير الإعلام، وقرداحي نفسه أيضا بالاستقالة، اذ لم يتوصل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي إلى إقناعهما بالإقدام على تقديم قرداحي استقالته بعد لقائيه معهما تباعا السبت الماضي.
وعكست عظة الراعي في جانب منها أمس هذا الإخفاق اذ قال: “أتت هذه الحكومة بغية إنهاض لبنان وترميم علاقاته مع الأسرة العربية والدولية. فتعثرت بسبب التحقيق القضائي في إنفجار المرفأ. وتأتي اليوم الأزمة مع المملكة العربية السعودية خصوصا ودول الخليج العربي عموما، وهي متعددة الأسباب ومتراكمة، ومن شأنها أن تسيء إلى مصلحة لبنان ومصالح اللبنانيين. لذلك نتطلع إلى أن يتخذ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل معني بالموضوع، خطوة حاسمة تنزع فتيل تفجير العلاقات اللبنانية الخليجية. وإذ ندعو إلى هذا الموقف الحاسم، فدفاعاً عن لبنان واللبنانيين المقيمين في الوطن وفي الخارج”.