وسط مخاوف من تجاوز إجراءات القطيعة الخليجية للبنان، الأطر الديبلوماسية الى إجراءات اقتصادية أشدّ صرامة، تسربت معلومات عن بعضها أمس، كانت الخشية الموازية ان تكون اللقاءات الكثيفة التي شرع فيها ويستكملها اليوم رئيس الحكومة #نجيب ميقاتي في غلاسكو في اسكوتلندا مع عدد من الزعماء العرب والغربيين قد جاءت متأخرة عن احتواء تداعيات العاصفة المتدحرجة. ولكن ذلك لا يقلل أهمية المحاولة الحثيثة التي يبذلها ميقاتي سعياً الى وقف العاصفة أولا، ومن ثم احتواء ما أمكن من تداعياتها ووضع إطار للمعالجة إذا نجحت بعض الوساطات ولا سيما منها الفرنسية والأميركية والقطرية والمصرية في الدخول إيجابا على خط الاحتواء. ذلك ان الأجواء التي أحاطت بلقاءات ميقاتي لم تسفر بعد عن أي معطى ملموس من شأنه ان يفرمل تداعيات العاصفة الخليجية خصوصا بعدما لمح ميقاتي نفسه صباح أمس وقبل وصوله الى غلاسكو الى خشيته من “منزلق كبير” ما لم يستقل وزير الاعلام جورج قرداحي على الأقل.
وعلمت “النهار” ان معظم الدول التي توسطها لبنان لمعالجة الازمة مع المملكة العربية السعودية، لاسيما الامارات وقطر والكويت، اكدت ان اي معالجة يجب ان تبدأ اولاً باستقالة قرداحي، ليبدأ بعدها اي كلام في المعالجة. وعلم ايضاً ان سلطنة عمان اكدت وقوفها الى جانب لبنان واستعدادها للمساعدة. كذلك قطر ستبدأ بمسعى وسيزور وزير خارجيتها لبنان قريباً للبحث مع المسؤولين اللبنانيين في ما يمكن ان تقوم به لتطويق الازمة ومعالجتها. وحتى الآن، فان الرهان على ان تؤدي الاتصالات الى فرملة الاجراءات التي تتخذ من المملكة وبعض دول الخليج ضد لبنان.
وعلم أن لا الولايات المتحدة ولا فرنسا شجعتا على استقالة الحكومة، بل كان هناك اصرار على استمرارها، والارجح ان هذا الحزم نابع من خشية دخول البلد في فراغ على مستوى السلطة التنفيذية ما يهدد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والانتخابات النيابية، وامكان تشكيل حكومة جديدة.
ولكن مصادر وزارية في الثامن من اذار، شددت على ان لا اقالة للوزير قرداحي ولا استقالة للحكومة ولا لرئيسها. واعتبرت مصادر رسمية ان مطلب الاقالة غير قابل للتطبيق في غياب اجتماعات الحكومة وفي ظل تهديد الوزراء الشيعة بالاستقالة في حال استقالة قرداحي. لذلك كان التمني عليه بان يبادر من نفسه للاستقالة الا انه يصر حتى الان على عدم المضي بها رغم كلام بدا يتسرب عن امكان البحث بها مجددا بعد عودة الرئيس ميقاتي. وبخلاف ذلك، فان الحكومة مستمرة الا انها ستبقى مشلولة حتى اشعار آخر.
في المقابل تتدحرج تصاعدياً الإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية الأربع المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وتبلغ حدود التلويح بوقف الرحلات الجوية مع لبنان ووقف التحويلات المالية منه واليه.
وعلى ضعف الرهانات، وفي انتظار ما قد تحمله في الساعات المقبلة بعد اللقاءات البارزة التي اجراها ميقاتي في غلاسكو، راوحت الازمة اللبنانية – الخليجية على مزيد من السلبيات وسط رهان على لقاء ميقاتي مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كما على لقاء يجمع ميقاتي بوزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن. وبدا ميقاتي قبل هذه اللقاءات متشائما حيال مسار الازمة اذ كتب لمجموعة من الوزراء إنه كان ناشد وزير الاعلام جورج قرداحي بأن “يغلّب حسه الوطني على أي أمر آخر”، ورأى أن مناشدته “لم تترجم واقعياً” وصارحهم بقوله “نحن أمام منزلق كبير وإذا لم نتداركه سنكون وقعنا في ما لا يريده أحد منا”.
وفي هذا الإطار التقى الرئيس ميقاتي امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي ابلغه انه سيوفد وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى بيروت قريبا “للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان ولاستكمال البحث في الملفات المطروحة ولا سيما معالجة الازمة اللبنانية- الخليجية”. كذلك اجتمع رئيس الوزراء مع نظيره الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح واكد له “حرص لبنان على العلاقة الوطيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي والعمل على معالجة اي ثغرة تعتريها بروح الاخوّة والتعاون”. ونقل عن رئيس وزراء الكويت “حرص بلاده على لبنان وسعيها المستمر لدعمه في كل المجالات، وفي الوقت ذاته حرصها على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي”. وشدد على ان “لبنان قادر بحكمته على معالجة اي مشكلة او ثغرة وسيجد كل الدعم المطلوب من الكويت وسائر الدول العربية”.
مع ماكرون وميركل
ومساء أجري رئيس الوزراء محادثات مع الرئيس ماكرون الذي، وفق ما افاد المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي، حرص على تمديد الاجتماع أكثر من مرة رغم انشغالاته، معبّرا عن” تمسك فرنسا باستقرار لبنان السياسي والاقتصادي”. كما اجتمع ميقاتي مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي اكدت “استعداد المانيا لدعم لبنان في كل المجالات”، واعطت توجيهات فورية الى مستشاريها للنظر في المطالب اللبنانية التي عبّر عنها الرئيس ميقاتي لا سيما في مجال البنية التحتية ومواكبة مسار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي وملف النازحين السوريين. واكدت “حرص المانيا على دعم استقرار لبنان واستعادة عافيته”، واشادت ” بحكمة الرئيس ميقاتي في التعامل مع التحديات السياسية الداخلية والخارجية”.
قرارات المقاطعة
ولكن قرارات مقاطعة لبنان خليجيا بدأت تدخل حيز التنفيذ. وافيد ان البعثة الديبلوماسية الإماراتيّة غادرت بكامل أعضائها الأراضي اللبنانيّة مساء الأحد. وأصدرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات بيانا أعلنت فيه “الانتهاء من عملية عودة الديبلوماسيين والإداريين في بعثة الدولة لدى لبنان ومواطني الدولة الى ارض الوطن وذلك نظرا للأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة في الجمهورية اللبنانية وتزامنا مع قرارات دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن سحب الديبلوماسيين والإداريين من لبنان ومنع سفر مواطني الدولة اليه “.
كما اعلنت شركة “DHL” انها تلقت تعليمات منذ السبت بوقف البريد من لبنان إلى السعودية. وتحدثت معلومات عن اتجاهات الى وقف الرحلات الجوية بين كل من دبي وابوظبي وبيروت حتى اشعار اخر ولكن السلطات المعنية في مطار رفيق الحريري الدولي لم تتبلغ أي اشعار بذلك.
حوار؟
وفي الإطار الديبلوماسي نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب انه دعا السعودية إلى الحوار لحل الأزمة الراهنة بين الدولتين على خلفية تصريحات قرداحي. وقال “إن المشاكل بين الدول الصديقة والشقيقة لا يمكن حلها الا بالحوار والتواصل والثقة ولكن ليس بإرادة الفرض وهذا يسري على لبنان والسعودية”. وأضاف: “لبنان يدعو السعودية إلى حوار لنحل كل المشاكل العالقة وليس الإشكال الأخير فقط لكي لا تتكرر الأزمة ذاتها في كل مرة”.
وتعقيبا على تصريح بو حبيب قال الرئيس ميشال سليمان: “دعوة المملكة العربية السعودية للحوار امر جيد وممتاز، لكن ماذا عن الحوار مع أطراف الداخل وفي مقدمهم حزب الله وحلفاؤه عن الحياد والسلاح والسياسة الخارجية والعلاقة مع الدول العربية وسيادة الدولة؟”. وختم: “ان تأتي متأخراً خير من ألا تأتي ابدا”.
موقوفو عين الرمانة
في سياق آخر وعلى خط حوادث الطيونة – عين الرمانة، نفّذ أهالي موقوفي عين الرمانة وجمع من المواطنين وقفةً تضامنيّةً أمام المحكمة العسكرية في المتحف، مطالبين بـ”إخلاء سبيل أبناء عين الرمانة الّذين دافعوا عن منطقتهم”. وأعلن محامي الموقوفين أنطوان سعد: “لا نريد ان تكون عين الرمانة مكسر عصا. المنطقة مر عليها العديد من الاحتلالات لكنها بقيت ولدينا ملء الثقة بالقاضي فادي صوان وكل من يقايض على دماء الشهداء والمعتقلين انما هو يقايض على لبنان”. وخلال الوقفة أكّد الأهالي أنّهم “لم يروا أبناءهم المحتجزين منذ أسبوعين، فيما يُعاني البعض منهم من مشكلات صحيّة تحتاج إلى تدخلّ جراحي”. وطالبوا بإطلاق سراح أبناء عين الرمانة “الذين لم يقترفوا أيّ خطأ، سوى الدفاع عن منطقتهم”. كما ناشدوا القاضي فادي صوان، بإجراء تحقيقات عادلة نزيهة وشفافة. ولاحقا نُظمت مسيرة رمزية تحت شعار “لا سلاح إلا سلاح الشرعية”. وقال القيادي فؤاد أبو ناضر “بادرنا الى ترميم المنازل في فرن الشباك وعين الرمانة بعد أحداث الطيونة وحتى اليوم أهالي الموقوفين لم يتمكنوا من رؤية ذويهم، ونطالب بإنهاء التحقيقات بأسرع وقت وتوقيف مَن كان يقوم بالعراضة العسكرية وبالسلاح الثقيل”.