تحل اليوم الذكرى الـ17 للانتفاضة الاستقلالية السيادية في #14 آذار 2005 في مفارقة زمنية اذ تصادف الذكرى عشية الانطلاق الرسمي للسباق الانتخابي نحو الدورة الانتخابية النيابية التي ستجرى في 15 أيار، ما لم تطرأ أي تطورات مفاجئة تطيحها. وعلى رغم التبدلات الضخمة في الواقع السياسي والاجتماعي الداخلي منذ حصول انتفاضة 14 آذار حتى الساعة ولا سيما منها ما أدى الى انفراط عقد تحالف القوى السيادية التي حملت اسم تحالف 14 آذار، فان مجمل التطورات والظروف والوقائع التي تطبق على لبنان تشكل حقيقة ثابتة مفادها ان الصراع من اجل استعادة السيادة وترسيخها لا يزال في أوج الحاجة اليه بعدما انتقلت الوصاية السورية المباشرة الى وصاية إيرانية مقنعة بايدي ووسائل وقوى لبنانية تطبق بهيمنتها المطلقة على الدولة والقرارات الاستراتيجية وتوجه لبنان في مسالك باتت تهدد هويته الوطنية والعربية والعالمية. ولكن المفارقة لا تقف عند مصادفة احياء الذكرى مع انطلاق العد العكسي للانتخابات النيابية بل تتعداها الى التشابك الكبير بين فقدان سيادة الدولة وفقدان الدولة نفسها في ظل الانهيار المتدحرج الآخذ بتحويل حياة اللبنانيين وظروف وأحوال عيشهم الى أسوأ ما عرفته شعوب ودول منهارة وفاشلة في العالم. ففي الأيام الأربعة الأخيرة وحدها، بدا لبنان بكل مناطقه وبكل أبنائه عرضة لاسوأ معاناة تحت وطأة عاصفة قطبية شرسة تجتاحه وتجثم على أثقاله، بما ينكشف معه اكثر فاكثر ان اللبنانيين هم شعب يعاني يتم الدولة ولا دولة فيه، اذ ان العتمة الشاملة تتمدد ومعها ازمة محروقات غير مسبوقة ترتجف تحت وطأتها كل المناطق ولا سيما منها المناطق الجبلية والنائية المفتقرة الى ادنى وسائل مواجهة العاصفة المستمرة حتى ما بعد منتصف الأسبوع الطالع. ووسط المشهد البائس للبنانيين في مختلف المناطق، يكاد ينعدم وجود الدولة والحكومة والسلطة لا في المبادرة الى توفير مادة المازوت، ولا في تقديم المساعدات العاجلة الى من عزلتهم الثلوج، ولا في تخفيف وطأة الصقيع، ولا في أي اجراء يشعر اللبنانيين بانهم غير متروكين في عراء تداعيات احدى أسوأ العواصف القطبية التي ضربت لبنان وهو في عز افتقاره الى كل الخدمات الأساسية البديهية بدءا بالكهرباء والوقود والمحروقات.
وسط هاتين المفارقتين، يحيي لبنان اليوم ذكرى الانتفاضة السيادية مع انعدام الرؤية نحو المستقبل القريب والبعيد من دون أي أوهام مفتعلة حيال ما يمكن ان تؤدي اليه #الانتخابات النيابية على صعيد تصويب الخلل الداخلي لمصلحة القوى السيادية ما لم تقم جبهة انتخابية سياسية متراصة تحت شعار الصراع السيادي.
البانوراما الانتخابية
اما في المشهد الانتخابي الذي بدأ يكتسب طابع السخونة المتدرجة فيفترض ان ينضم اليوم وغدا مئات من المرشحين الجدد الى نحو 550 مرشحا سجلوا حتى الجمعة الماضي قبل اقفال باب الترشيحات الى الانتخابات في منتصف ليل غد الثلثاء لتبدأ بعدها عملية تسجيل اللوائح الانتخابية التي تنتهي مهلتها في الرابع من نيسان.
وقبل اقفال باب الترشيحات غداً تصاعدت على نحو ملحوظ حرارة المناخ الانتخابي مع شروع الكتل الكبيرة في اعلان مرشحيها تباعا. فاليوم يعقد رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤتمرا صحافيا في عين التينة، يخصصه لملف الانتخابات النيابية ويعلن فيه أسماء مرشحي حركة “امل” وكتلة التنمية والتحرير بعدما كان حليفه في الثنائية الشيعية “حزب الله ” اعلن مرشحيه.
كما ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اعلن امس مرشحي التيار في المؤتمر السنوي السابع للحزب. وقرن باسيل اعلان مرشحي التيار العوني بحملة شعواء على خصومه فاعتبر “اننا صمدنا 15 عاما لنحقق التحرير ونحن مستعدون لنصمد سنين لنحقق التحرر”، وقال: “أنظروا الى كذبتهم في 14 اذار كيف سقطت و33 سنة على 14 اذار الاصلية في العام 1989 بقيت واستمرت معنا، بعدما سقط القناع عن 14 اذار المزورة”. واضاف باسيل: “صمدت 14 آذار الصادقة وسقطت 14 آذار الكاذبة تماماً كما نحن الثورة الصادقة نصمد ونبقى وهم الثورة الكاذبة ويسقطون”. واعتبر ان “هناك حزبا كبيرا في لبنان هو حزب الفساد وهو “متل الحرباية”.. المتلوّنون تنعّموا بالمكتسبات في زمن الوصاية وعندما انتهى بدّلوا جلدهم وركبوا موجة الحرية ورفضوا بعدها التنازل عن مكتسباتهم وفشّلوا الإصلاح وسبّبوا الإنهيار في 17 تشرين”.
وتابع مصعداً هجومه ومدافعاً عن حلفه مع “حزب الله” قائلا: “افترضوا انّهم ربحوا الانتخابات وصاروا الأكثرية الوهميّة فهل سينزعون سلاح “حزب الله” أو يمنعوه من دخول الحكومة؟ والعقوبات لن تزال عنّي طالما هناك انتخابات. وما حدا بيقدر يدفنّا نحنا وطيبين وما خلصتوا منّا ولا بتخلصوا. يلّي ما قدروا ياخدوه بالحرب، ما رح نخلّيهم ياخدوه بالتفقير، ويلّي بعد ما قدروا ياخدوه بالفساد، ما رح نخلّيهم ياخدوه بالانتخابات”. ولفت إلى أنّ “من مدّ لنا يده للتحالف الإنتخابي هو حزب الله كما مددنا له يدنا في 6 شباط 2006 عندما حاولوا عزله”.
وبدوره، يطلق حزب “القوات اللبنانية” حملته الانتخابية، في ذكرى 14 آذار، ظهر اليوم في المقر العام في معراب. وستكون كلمة لرئيس الحزب سمير جعجع، تحضيراً لاستحقاق 15 أيار، بحضور اعضاء تكتل “الجمهورية القوية”، ومرشحي ” القوات” واعضاء الهيئة العامة. وامس اعلن جعجع دعم ترشيح غادة ايوب عن المقعد الكاثوليكي وسعيد الاسمر عن المقعد الماروني في دائرة جزين ، وأعلن في السياق ان “القوات اللبنانية سعت بكل الطرق الى امكانية التفاهم مع الافرقاء كافة فتوصلنا الى التحالف مع بعضهم الا ان البعض الآخر لم يرغب بذلك لدواعٍ شخصية”. وقال انه “في حال نلنا الاكثرية سنحسن استخدام الاكثرية من خلال العمل بشكل مختلف عما شهدناه في العامي 2005 و2009، اذ لن نقبل مثلا بتشكيل حكومة “وحدة وطنية” كما كان يحدث سابقا، باعتبار ان من لديه الاكثرية هو من يشكل الحكومة، وفي حال عرقل الفريق الآخرعملية التشكيل وحاول تأليف أخرى، ستكون شبيهة بالحكومة الحالية التي شكلوها بالاكثرية التي يتمتعون بها في المجلس النيابي، وسيكون مشروعها بعيدا من منطق الدولة الفعلية ومن اعادة بنائها. هذا ليس هدفهم، لأن لحزب الله مشروعا آخرا كبيرا ليس له علاقة بلبنان، و”التيار الوطني الحر” ابعد ما يكون عن منطق الدولة واي حكومة سيشكلها هذا الفريق لن تلقى تعاونا على الصعيد الخارجي وبالتالي ستغرق البلد الى “قعر قعر قعر” جهنم، فيما نحن سنشكل حكومة اكثرية تتمتع بسياسة واضحة المعالم”.
وفي المقابل جدد رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد حملته على خصوم الحزب وقال : “إن خصوم المقاومة خطتهم في مواجهتنا هو نزع سلاحها”، مضيفا “هناك نغمة جديدة وهي لا للاحتلال الإيراني، الإحتلال الإيراني في معرض الكتاب بأسواق بيروت بأن صورة للشهيد سليماني مرفوعة عند دار نشر يعرض كتبه في المعرض أصبح هذا الأمر رمزا للاحتلال الإيراني”، متسائلا “ألا يخجل هؤلاء”. وقال: “نحن نعلم كم هو عديد العسكر الأميركي المتنقل بين حامات ورياق وسفارة عوكر، عديد العسكر الأميركي أكبر من حجم المدنيين الإيرانيين الذين لديهم إقامات رسمية في لبنان”.
وفي هذا السياق رأى عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبو فاعور ان “مشروع قوى الثامن من اذار مجتمعة في الانتخابات النيابية المقبلة يتلخص بالحصول على ثلثي اعضاء مجلس النواب، وبالتالي فرض مرشحهم المدلل رئيسا للجمهورية والتحكم بالتعديلات الدستورية وتغيير النظام وتحويل أمر السلاح الواقع الى حقيقة دستورية، وهذا ما لن يكون بارادة اللبنانيين”.
وفيما لم تتبلور بعد الصورة النهائية الواضحة للائحة التي يعمل الرئيس فؤاد السنيورة على تأليفها ورعايتها ودعمها في بيروت وفي انتظار معرفة الموقف النهائي للرئيس نجيب ميقاتي من ترشحه اتخذ بيان لـ”تيار المستقبل” امس دلالات بارزة لجهة إشادته بنواب كتلته الذين عزفوا عن الترشح. ووجه التيار “كل التحية والتقدير لكل أعضاء التيار في كل المناطق اللبنانية المنسجمين مع قرار الرئيس سعد الحريري وتوجهاته، ولا سيما النواب الحاليين والمسؤولين الذين أعلنوا عزوفهم عن الترشح، وكوادر التيار وجمهوره الذين يلتزمون توجهات الرئيس والتعاميم الصادرة عن التيار” .