Site icon IMLebanon

النهار: ترحيل “حريق البنزين” وتبريد الأزمة القضائية

لم يكن من باب التهويل او التضخيم ان تتخوف جهات معنية بمعالم ازمة المحروقات الجديدة التي برزت في الساعات الأخيرة من تطورات اشد وطأة على البلاد من شرارة زيادة ستة سنتات على تسعيرة المخابرات الخليوية التي اشعلت انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. ذلك ان الامر بدا منذراً بذروة الضغط على المواطنين مع التلويح باعتماد تسعير مادة البنزين بـ”الفريش دولار” في كل التعاملات التجارية بهذه المادة الحيوية ان عبر تسليم شركات التوزيع للمحطات، وان عبر عمليات بيع المواطنين من المحطات. شكل هذا التطور نذير لهيب اجتماعي خطير نظراً لعدم تحمل الناس تبعاته ناهيك عن انه، لو ظلت الأمور جارية في مسار دولرة كل مشتقات النفط، لكان شكل تتويجا لضغوط الدولرة على المواطنين بعدما اعتمد بيع مادة المازوت بـ”الفريش” دولار وحتى في الكثير من الاشتراكات بمولدات الكهرباء، يضاف الى ذلك الأثر الجنوني لاعتماد الدولرة في تسعيرة البنزين وتعاملاتها على أسعار النقل والمواد الغذائية والاستهلاكية كافة.

وفرض هذا التطور نفسه على جلسة مجلس الوزراء حيث ابلغ وزير الطاقة وليد فياض مجلس الوزراء أن المصرف المركزي وضع قيودا على تحويلات المدفوعات بالدولار ما سينعكس أزمة طوابير أمام المحطات فيما ذكرت معلومات انه في حال عدم اصدار مجلس الوزراء قرارا واضحا يطلب فيه من مصرف لبنان تأمين الدولارات على منصة “صيرفة” لقطاع النفط، فان المصرف المركزي لن يستمر في العملية كالسابق. وقرر مجلس الوزراء دعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى جلسة الأربعاء المقبل وطلب من وزير المال ان ينسق مع مصرف لبنان للاستمرار في الدفع للمحطات عبر منصة صيرفة لشهرين إضافيين كما كان الوضع سابقا الى حين إيجاد حلول بديلة. وعلمت “النهار” من مصدر مطّلع على ملف توزيع المحروقات أنّ الشركات المستوردة ستبدأ بالتوزيع بالليرة اللبنانية بدءاً من صباح اليوم وذلك بعد قبول مصرف لبنان تمديد تأمين 85 في المئة من سعر البنزين وفق منصة “صيرفة” لمدة شهرين، ما يعني أن الأزمة ستُحَل.

ولعل التطور الأبرز الذي واكب استنفار الحكومة لاحتواء مطالع ازمة المحروقات المتجددة كما احتواء المواجهة القضائية – المصرفية تمثلت في الإعلان عن دعوة مجلس الوزراء حاكم مصرف لبنان الى حضور جلسة مجلس الوزراء المقبلة لدرس الوضع المالي بمشاركته، الامر الذي اكتسب دلالات مهمة ليس اقلها توجيه رسالة واضحة مفادها تجاوز الإجراءات القضائية التي اتخذتها بحقه القاضية غادة عون التي اثارت ردودا سلبية.

في غضون ذلك برزت موجة ترحيب رسمية وسياسية واسعة في اعقاب الموقفين السعودي والكويتي من بيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول العلاقات مع الدول الخليجية ، توّجها الرئيس ميقاتي في مستهل جلسة مجلس الوزراء، معلناً “ان التصريحات التي صدرت عن الكويت والمملكة العربية السعودية تؤشر بأن الغيمة التي خيمت على علاقات لبنان الى زوال قريباً. وما يربط لبنان مع إخوانه في دول الخليج تاريخ مشترك وايمان بمصير مشترك…نحن حريصون على تطبيق البيان الوزراي وندعو العرب إلى الوقوف الى جانب لبنان”.

فرنسا والسعودية
وفي سياق متصل نقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصدر فرنسي رفيع قوله لـ”النهار” ان الاجتماعات بين الفريق السعودي المتابع للملف اللبناني وباتريك دوريل المستشار الرئاسي الفرنسي للشرق الأوسط والذي يتابع يوميا الملف اللبناني بطلب من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، استؤنفت امس الأربعاء بعدما جرت منذ أسبوع في باريس. وقال المصدر انه بعد زيارة ماكرون لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استمر العمل والتنسيق مع السعودية من اجل دفع المملكة الى الاهتمام بالواقع اللبناني دون ان يكون ذلك ضد أي جانب في لبنان بل لجميع اللبنانيين.

وعلمت “النهار” من مصادر مطلعة على المحادثات ان فرنسا تحاول تشجيع الجانب السعودي لدفع الأحزاب السنية للمشاركة في الانتخابات التي ستجري في موعدها وليس مفيدا ان تترك السعودية الشأن اللبناني وتبقى بعيدة عن الساحة اللبنانية. وترى المصادر ان عودة السفير وليد البخاري الى لبنان لم تتأكد بعد ولكنها ليست الأهم ولو انها تشكل خطوة إيجابية إزاء لبنان ان حصلت ولكن الأهم الآن ان تكون المملكة موجودة على الساحة اللبنانية. وترى المصادر ان هناك بعض الشكوك حول تغيير عميق في معايير القيادة السعودية الأساسية تجاه المسوؤلين السياسيين في لبنان. فلدى القيادة السعودية تشكيك عميق في النظام السياسي اللبناني وان بذل جهود مالية وديبلوماسية وسياسية لدعم لبنان مثلما كانت في السابق هي خسارة وغير مجدية. ولكن زيارة ماكرون لولي العهد السعودي اتاحت للقيادة السعودية ان تستمع للحجج الفرنسية حول ضرورة العودة الى الاهتمام بالساحة اللبنانية ولذا تستمر الجهود الفرنسية وهناك بعض التقدم ولو انه لم يبلغ المستوى الذي يتمناه الجانب الفرنسي بعودة كاملة للسعودية الى الساحة اللبنانية . فالشكوك لم تزل بعد ولكن العلاقة الفرنسية السعودية جيدة على عكس العلاقة السعودية الاميركية والقيادة السعودية التي تقدر العلاقة مع فرنسا تستمع الى ما يقوله الرئيس الفرنسي وفريقه يعمل مع فريق القيادة السعودية المكلف بالملف. وتؤكد فرنسا للسعودية انه من الخطأ ان تترك لبنان وانه من الأفضل ان تدعمه وتشارك في تمويل مشاريع فيه لمساعدة الشعب اللبناني باسره.

وقالت هذه المصادر عن ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان رئاسة البنك المركزي في لبنان موقع بالغ الحساسية وهو اساسي للبنان ومن الخطأ حاليا ملاحقته خصوصا ان ليس هناك في كل المعلومات السلبية الآتية من لبنان ومن الخارج دليلا قاطعا، وفي أوروبا هناك مزاعم دون ادلة قاطعة، والآن ملاحقة حاكم المركزي في لبنان واستبداله يعقد الأمور اكثر مما يحل القضية اللبنانية التي هي بحاجة الى المفاوضات مع صندوق الدولي والتي يجب ان تتقدم ليحصل لبنان على دعم فرنسا وجهودها مع السعودية تصب في خانة اقناع الاخيرة بدعمه عندما تتقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

الملف القضائي المصرفي
وفي غضون ذلك ناقشت جلسة مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال ملف النزاع القضائي – المصرفي. وقال الرئيس ميقاتي في بداية الجلسة : “نكرّر أنّ اجتماع السبت كان للتشاور على قاعدة التسليم بأن يقوم القضاء بدوره وتطبيق القانون لا غير”. وفيما اكدت المعلومات ان ليس هناك أي توجه الى اطاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي كما تردد إعلاميا في الساعات الأخيرة بدأت المناقشات داخل الجلسة، فتحدث وزير العدل هنري خوري عن التشكيلات القضائية الجزئية التي حصلت، آملا أن “تكتمل باكتمال عقد مجلس القضاء الأعلى لإكمال التشكيلات العامة”، وقال: “كما يطلب من القضاء أخذ الأوضاع المالية والإقتصادية والنقدية بالإعتبار فإن القضاء لا يمكن أن ينطلق الا من نصوص القانون، وللقضاء مطالب يجب أن تؤخذ أيضا بالاعتبار”. واخذ مجلس الوزراء علما باقتراح وزير العدل تشكيل لجنة برئاسته مؤلّفة من القضاة والمصرفيين للبحث بالمسار القضائي المصرفي.

وافيد أن وزير العدل وقّع قبيل مشاركته في جلسة مجلس الوزراء مرسوم التشكيلات القضائية المتعلقة بتعيين رؤساء اصيلين لمحاكم التمييز الذين تتألف منهم الهيئة العامة لمحكمة التمييز. وسيُحال المرسوم لاحقا الى كل من وزير المال يوسف الخليل ورئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي.