من مفارقات السياسات الحكومية والسياسية والنيابية والمالية ان يدفع بنسخة جديدة لمشروع “#الكابيتال كونترول” الى مجلس النواب في اللحظة الأخيرة “القاتلة”، إذا صح التعبير، من عمر هذا المجلس الذي يتأهب لعقد جلسته التشريعية الأخيرة على الأرجح قبل الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل. لحظة بالغة الحرج في ظروف البلاد التي أدى تأخير تشريع قانون الكابيتال كونترول منذ اكثر من سنتين الى تفاقم مخيف في ازمتها المالية والمصرفية والاقتصادية ، وحين احتدمت المواجهة الحادة الأخيرة والمفتوحة على فصول تصعيدية متعاقبة بين بعض القضاء والمصارف استفاق “المسؤولون المتنورون” على ان المسبب الأخطر في بلوغ الازمة هذا المبلغ من الخطورة والمواجهات هو التخلف المتواصل عن إقرار قانون الكابيتال كونترول ، وزاد عامل الالحاح الحاحا ان بعثة صندوق النقد الدولي تعود غدا الثلثاء الى بيروت لاستئناف المفاوضات مع الفريق الحكومي اللبناني حول خطة التعافي الاقتصادي وموجباتها ومتطلباتها الإصلاحية وفي مقدمها الكابيتال كونترول الذي يدرجه صندوق النقد الدولي في أولويات مطالبه واشتراطاته لدعم لبنان. مع كل هذه العوامل سطرح المشروع الجديد اليوم امام اللجان النيابية المشتركة في محاولة حثيثة للتوصل الى إخراجه من معجن اللجان بصيغة توافقية بين الكتل تتيح تمريره غدا في الهيئة العامة للمجلس والا سيسقط حكما اليوم وستقفل الطريق على اقراره ضمن ولاية هذا المجلس وسيرحل تاليا إقرار جانب من الحل الأساسي للازمة المالية المصرفية الى ما بعد الانتخابات النيابية.
والمشكلة ان المشروع الجديد جاء ملتبساً طارحاً أكثر من علامة استفهام ليس حول توقيته فقط، وقد بات واضحاً ارتباطه بالمواجهة القضائية كعنصر مهم لتهدئة الشحن والاحتقان والاستغلال الشعبوي في زمن انتخابي، وإنما أيضا حول مضمونه المثير لكثير من المحاذير والطريقة التي طُرح بها. وأبرز هذه المحاذير تتصل بحقوق المودعين كما لا يخلو بند من بنود المشروع من الشكوك ولا سيما حول المادتين ٧ و٨ ومنه. فالمادة الثامنة تجيز انشاء لجنة خاصة مؤلفة من وزيري المال والاقتصاد وحاكم المصرف المركزي ويرأسها رئيس الحكومة، وتكون مسؤولة عن إصدار التنظيمات التطبيقية كافة المتعلقة بهذا القانون، ولا سيما ما يتصل بحظر نقل الأموال عبر الحدود او بالتحويلات ومدفوعات الحساب الجاري والقطع وتحديد سقوف الحسابات النقدية وبإعادة أموال الصادرات وغيرها من التدابير الخاصة المتعلقة بسعر صرف العملات الأجنبية، كما يعود للجنة صلاحية منح إعفاءات محددة حول القيود المفروضة بموجب هذا القانون وتكون قراراتها ملزمة ونهائية. أي ان المشروع ناط صلاحيات مطلقة بلجنة وليس ببنود واضحة، واضعاً المودعين أفراداً ومؤسسات تحت احكامها بما ترتبه هكذا صلاحيات من استنسابية في التطبيق. اما المادة السابعة فاعتبرت بانها تشكل رصاصة رحمة للقطاع الصناعي، الذي استثنيت عائدات صادراته من اعتبارها أموالاً طازجة. حيث اعتبرت المادة ان الأموال المتأتية من عائدات التصدير لا تعتبر جديدة ويعود للجنة تقرير كيفية استخدام العملات الأجنبية الناتجة عن عائدات التصدير، كما يعود للجنة ان تحدد الشروط والاحكام الخاصة المتعلقة بالعائدات المالية للصادرات وطريقة تسويتها بموجب تعميم يصدره المصرف المركزي لهذه الغاية.
ولكن النائب نقولا نحاس كشف ان العمل لا يزال مستمراً على عدد من البنود الواردة في المشروع والتي تخضع لتعديلات لإحالته بصيغة معدلة نهائية الى المجلس اليوم. وتأخذ هذه التعديلات في الاعتبار الملاحظات والاعتراضات المقدمة على الصيغة – المسودة المقترحة. كما علم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ولدى مراجعته من قِبل جمعية المصارف رفض السير بأي مشروع لا يراعي حقوق المودعين، على غرار الصيغة المقترحة. وكشفت أوساطه انه سيستمع الى ملاحظات النواب وسيواجه بين تلك الملاحظات وما سمعه من الهيئات المعترضة للوصول الى صيغة ترعى حقوق المودعين في الدرجة الاولى، انطلاقاً من التوافق المشترك بينه وبين ممثلي صندوق النقد الدولي الذين زاروه قبل فترة قصيرة حيال هذه النقطة.
وهاجم رئيس لجنة المال النائب ابرهيم كنعان مسودة الكابيتال كونترول المتداولة وقال لـ”النهار” ان “هذا المشروع كما هو لا يجب أن يمرّ في اللجان، ولكن الاهم أن لا يمر في الجلسة التشريعية غدا الثلثاء. وركز انتقاده على الصلاحيات التي أعطيت للجنة “فهي التي ستتحكم بكل القرارات القضائية والمالية والنقدية لمدة 5 سنوات قابلة للتمديد بقرار من مجلس الوزراء وليس بتعديل قانون… بمعنى آخر سيكون عمر هذه اللجنة مديدا وتاليا فإن اموال الناس ستذهب أدراج الرياح”.
ميقاتي وقطر
وفي غضون ذلك عاد امس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من زيارته لقطر حيث شارك في الجلسة الافتتاحية لـ”منتدى الدوحة” والتقى امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس وزراء قطر الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز ال ثاني. وإذ شدد ميقاتي مجددا على انتماءَ لبنان العربي قال “نحن بحاجة لرعاية عربيّة، فالفراغ لا يسدّه إلا من أخطأ بخصوص لبنان، ولكنّنا نعي تماماً أنّ قطر إلى جانبنا وكلّ الدول العربية ودول الخليج خصوصاً ستُعيد علاقاتها مع بلدنا ونحن بحاجة لهذه التطورات”. وكشف أنّ وزير الخارجية القطريّة سيزور لبنان قريباً. وأشار ميقاتي إلى أنّ “الحكومة تسعى جاهدةً لإعادة التعافي إلى الاقتصاد اللبناني وسيظهر ذلك قريباً”. وقال إنّه من المتوقّع أن تزور بعثة صندوق النقد الدولي لبنان هذا الأسبوع.
مواقف الراعي
اما في المواقف من التطورات السياسية والقضائية الأخيرة فبرزت أمس المواقف النارية الجديدة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والتي اكتسبت دلالات بالغة الأهمية بعد معالم حملة إعلامية “ممانعة” طاولته أخيرا. وقد سأل الراعي في عظته أمس: “إلى متى أيها المسؤولون والمتعاطون الشأن السياسي تمعنون في قهر شعبنا، وتمنعونه من التعبير والشكوى والمعارضة ورفع الرأس، وتنسفون الحلول، للإطباق على لبنان؟ لا، إن حق التعبير عن الرأي يولد مع الإنسان ويضمنه الدستور عندنا في لبنان. حذار من المس به ونقل البلاد إلى جو استبدادي وبوليسي شبيه بالأنظمة الشمولية البائدة. هذه الأساليب القمعية لا تشبه لبنان الذي أمضى تاريخه في الدفاع عن الحريات، وهي رسالته، إن التمادي في القمع يؤسس لانتفاضة شعبية لا أحد يستطيع التنبؤ بمداها ونتائجها”. وقال: “أمام حالة القضاء المحزنة والخطرة نتساءل: أين القضاة الشرفاء؟ وأين المرجعيات القضائية لا تقوم بواجباتها الناهية حماية للجسم القضائي؟ وأين السلطة لا تردع ذاتها عن استغلال بعض القضاة ولا تردع المتطاولين على دورها؟ هل الهدف من بعض الإجراءات الصادمة خلق واقع يؤدي إلى تطيير الانتخابات النيابية في موعدها، وتحميل مسؤولية هذه الجريمة الوطنية للطرف الذي يريد حصولها حقا. يجب أن يتم هذا الاستحقاق الدستوري وأن يعقبه انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس الحالي بموجب المادة 73 من الدستور. من شأن الرئيس الجديد أن ينهض بالبلاد وينتشلها من المحاور إلى الحياد، ويضع حدا لهذا الانهيار والدمار. لبنان ليس ملك فئة، إنه ملك الشعب والتاريخ والمستقبل”.
جعجع والاشتراكي
وفي تطورات المشهد السياسي – الانتخابي أطلق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مزيدا من المواقف في اليومين الأخيرين وتطرق فيها الى الذكرى الـ 28 لحل “القوات” التي تصادف في هذه الايام بالتحديد، لافتاً الى ان ”محاولات عزل وتطويق وترهيب والغاء القوات مستمرة حتى اليوم، وآخر محاولة في هذا السياق، كانت قرارات قضائية خلقت ميّتة لأنّها ضدّ كل قانون، وبعكس كل عدالة، وهي فقط مجرّد محاولة (جديدة او ما بتتعب او يائسة فاشلة) لتلطيخ صورة القوات اللبنانية، ليش القوات؟ لأنّون بيعرفوا انّو بدّا وفيا”. وأردف “الى الذي يضحك بعبّه او يتفرّج ويقول انا ما خصّني، او يشارك من تحت الطاولة بضحكة صفراوية في شيطنة القوات، نؤكد له انه مسكين لا يعرف، ومن الضروري ان يعرف، انّه، إذا لا سمح الله، استطاع حزب الله عرقلة القوات، يعني ان دوره آتٍ عاجلا ام اجلاً، وعندها سيتذكر المقولة الشهيرة اُكلت يوم اكل الثور الأبيض “. واعتبر إن “من يستفز الشارع السني هو من دعم نظام الأسد ضد شعبه وليس من كان مع الشعب السوري ضد الجلاد، ومن احتضن الحوثي تحت عباءته ليهز استقرار اليمن والسعودية، وليس من يطالب الحياد ثم الحياد ثم الحياد، لأن لبنان لا يستطيع معاداة الدول العربية. ومن يستفز الشارع السني هو الذي حاصر السرايا وقام بـ7 ايار واسقط رئيس الحكومة على مدخل البيت الأبيض، وأنزل القمصان السود وحاول ضرب التحقيق الدولي وصدقية المحكمة الدولية ويخفي المرتكبين حتى هذه اللحظة”.
وفي السياق نفسه اعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي “إن الممارسات الحاصلة في استخدام بعض القضاء باستنسابية سياسية، قد تخطت كل الحدود وباتت تنذر بعواقب وخيمة. فغريب جدا كيف أن قضية وطنية كالتحقيق في إنفجار المرفأ تتجمد دون أي تحرك باتجاه الحقيقة، فيما تتحرك ملفات أخرى “بسحر مستشار” تارة للنيل السياسي وربما الانتخابي كما هو الحال في الادعاء على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وطورا بحق الإعلام وحرية الرأي والتعبير تحت مسميات شعبوية تتلطى خلف حقوق الناس”. وأعلن إنه اذ “يجدد رفضه لهذه الممارسات، يحذر قوى الحكم من خطورة كل ذلك على كيان الدولة واستقلالية مؤسساتها وما بقي من قضاء مستقل”.